الدكتور نصر محمد غباشى يكتب: الشرعية الدولية لحفظ حق مصر فى مياه النيل

شهدت السنوات الأخيرة فى مصر بعد أحداث يناير عام 2011 أحداثاً وتغيرات لم تشهدها عبر التاريخ القديم أو الحديث على نحو تغيرت فيه الأحوال والسلوكيات على مستقبل العلاقات العربية والأفريقية وإذا نظرنا للوطن العربى، فهو مهد الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، وهناك عوامل أخرى تاريخية تعطى أهمية كبرى لهذا الوطن الغالى لما يحويه من كنوز الحضارة سواءً كانت الحضارة المصرية القديمة والحضارة البابلية فى العراق والشام وتعرف بحضارة بلاد الرافدين سوريا والعراق وحضارة مملكة سبأ فى اليمن إلى جانب العوامل المادية الأخرى الذى وهبها الله للشعب العربى من خيرات ونعم من بترول ومعادن ومياه وتربة صالحة للزراعة كل هذه العوامل المادية والتاريخية أعطت استقرارا للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية فى هذه البلدان. إلا أن هذا الاستقرار لم يدم طويلاً بسبب المؤامرات والأطماع التى تعرضت لها الأمة من كل جانب كانت نتائجها صراعات داخلية هددت سلامة وأمن واستقرار الدول العربية فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، ما جعل رغبة الدول الكبرى فى التدخل والسيطرة عليها ونهب ثرواتها التاريخية والمادية وجعل أراضيها ميدانا لتجارب أحدث ما وصلت إلية التكنولوجيا الحديثة فى صناعة السلاح ومقابل ذلك ضاع الأمن والاستقرار وتشردت شعوب هذه الدول جوعا فى شتى ربوع المعمورة وأصبحت دول منقوصة السيادة لغزو جيوش ومليشيات الدول الأخرى لها، وأيضاً لم تغيب المؤامرة ضد الشعوب العربية فى أفريقيا لأن هذه المؤامرة متعلقة بقضية وجود وهى حصة مصر التاريخية فى مياه نهر النيل، فعندما كانت تواجه مصر حالة الانفلات الأمنى وعدم الاستقرار السياسى والاقتصادى إبان أحداث يناير عام 2011م عزمت إثيوبيا ببناء سد مائى لها على النيل دون التشاور أو التوافق بين دول حوض النيل وبصفة خاصة دول القاسم المشترك فى هذا الشريان المائى الواحد وهى مصر والسودان، وفى بداية شهر فبراير من العام نفسه أعلنت إثيوبيا رسمياً عن بناء هذا السد لتوليد الطاقة الكهربائية لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والصناعية مستغلة فى ذلك الأحداث التى تمر بها البلاد فى تلك الفترة. وقبل الشروع فى كتابة مقالى هذا كان لابد لى أن أذهب إلى وزراء خارجية مصر فى ظل الأحداث الراهنة التى شهدتها إبان فترة يناير وبداية ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013م لكى استسقى منهم بعض المعلومات بخصوص بناء سد المياه الإثيوبى هؤلاء هم الدكتور محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق فى حكومة الدكتور عصام شرف عام 2011 والدكتور محمد كامل عمرو وزير الخارجية فى حكومة عصام شرف الثانية خلفا للدكتور العرابى واستمر فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى وهشام قنديل ولهؤلاء تاريخ مشرف فى مصر، لكى يتوجوا حياتهم الدبلوماسية إلى مهمة سياسية وهى منصب وزراء خارجية، والاثنان من أخلص الشخصيات الوطنية الأول معرفه قديمه والثانى بلديتنا من قرى مركز شبراخيت محافظه البحيرة وكان سؤالى إلى الأول بحكم مسئوليته الوظيفية والسياسية، هل إثيوبيا بحكم إنها دولة المنبع وصاحبة إقامة مشروع سد المياه على المجرى المائى لمياه نهر النيل أخطرت دولة المصب، وهى مصر بإعلان مسبق عن نيتها ببناء السد طبقا للاتفاقية الدولية للأمم المتحدة عام 1997 والتى جاءت فى المادة الثانية منها كما ذكرها أستاذنا الدكتور محمد سامح عمرو استاذ ورئيس قسم القانون الدولى العام جامعة القاهرة وعضو مصر فى اليونيسكو ومستشار قانونى للوفد المصرى للتفاوض على اللجنة الفنية الثلاثية المشكلة من مصر والسودان وإثيوبيا حول سد المياه الإثيوبى عام 2011م واتشرف معاه فى عضويه الجمعية المصرية للقانون الدولى الذى ذكر فى مجلتها وتحديداً العدد رقم 67 لسنة 2011 فى بحثه الإخطار المسبق والتشاور كشروط مسبقة لإقامة المشروعات على المجارى المائية الدولية، حيث جاءت المادة الثانية السابق ذكرها على أن ( أى دولة من الدول المشتركة فى المجرى المائى الواحد تريد أن تقيم أو تنفذ مشروعاً على هذا المجرى أو تسمح لإتخاذ إجراءات أو تدابير أخرى والتى قد يكون لها ضرراً كبيراً على الدول الأخرى المشتركة فى هذا المجرى المائى. ولتفادى هذه التدابير السيئة وتأثيرها السلبى الخطير والكبير على الدول المشتركة فى هذا المجرى اشترطت الاتفاقية على أن يتعين على هذه الدول التى تريد تنفيذ مشروعها أن تقدم إخطاراً للدول الأخرى بذلك مصحوباً لكافة المعلومات والبيانات الفنية والتقنيات الموجودة فى ذلك بما فيها تقييم الحالة الفنية ضد أى آثار محتمل اتخاذها جراء أى نتائج قد يتعرض لها المشروع على هذا المجرى المائى. الاتفاقية واضحة فى تفسيرها وليس بها أى غموض أو إبهام وليست مطاطة حتى يستغلها كل طرف مشترك فى المجرى المائى لصالحه، بل تجنبت الصدام وخطورته الذى قد ينجم بين دولة تنفيذ المشروع والأخرى شريكتها فى هذا المجرى مع مطالبة الأولى أن تتحلى بمبدأ حسن النية ولا تقدم على إقامة المشروع حتى يضمن كل طرف مشترك حقوقه المائية من خلال اتفاق مكتوب متفق عليه بين الدول المشتركة فى هذا المجرى المائى، ونعود للحديث مع الوزير العرابى بقوله لى إن إثيوبيا لم تخطر مصر أو تعلنها رسمياً عن نيتها بتنفيذ مشروع سد المياه على مجرى نهر النيل كما نصت الاتفاقية الدولية السابق ذكرها بل كان تصريح الوزير من خلال وسائل الإعلام حسب قوله إنه طلب التجاوب والتعاون المشترك بين دولة المنبع إثيوبيا ودول المصب و هى مصر والسودان لكى يكون هناك توافق مشترك ومقبول لجميع الأطراف المستفيدة من مياه نهر النيل وذلك للحفاظ على حقوق مصر التاريخية والمكتسبة فى هذا المجرى المائى. وبعد انتهاء حديثى مع الوزير محمد العرابى عبر الهاتف، أكملت حديثى أيضا مع الوزير الخلوق محمد كامل عمرو ويعتبر هو الذى تعامل مع الأحداث بشكل مباشر بخصوص سد المياه الإثيوبى وهو فى بداية بناء المشروع، وقد تطرق حديثى عن نفس السؤال الذى وجهته إلى سلفه السفير العرابى عن الأخطار المسبق من الحكومة الإثيوبية للحكومة المصرية عن بدء تنفيذ مشروع بناء السد طبقا للاتفاقية الدولية، أجاب سيادته بالنفى بل أضاف أن عند زيارة الوفد المصرى إلى إثيوبيا بخصوص المباحثات الثنائية بين وزير الخارجية الإثيوبى فى ذلك الوقت الطبيب ووزير الصحة السابق ورئيس منظمة الصحة العالمية الحالى تيدروس اوهانوم غيبريس ونظيره المصرى محمد كامل عمرو بخصوص عدم تأثير بناء السد على حصة مصر فى مياه النيل لآن الأمن المائى لمصر هو قضية حياة أو موت،وقد تطرق الحديث خلال مؤتمر صحفى عالمى قدمت فيه الحكومة المصرية يمثلها فيها وزير خارجيتها طلبات مشروعه طبقا للشرعية الدولية هو التزام الحكومة الإثيوبية أن لا يحدث تاثير لحصة مصر فى مياه النيل جراء بناء سد المياه الإثيوبى وأن يراعى التصميمات الفنية والجيولوجية والبيئية فى بناء السد واتباع الإجراءات السليمة حتى لا يحدث اضرارا جوهرية بدول المصب وقد طلب الجانب المصرى بتشكيل لجان فنية للتعاون المشترك بحسن نية للوقوف على سلامة وقوة تنفيذ المشروع لتجنب المخاطر والكوارث التى قد تنجم عن أى ضرر فنى أو بيئى قد يحدث للسد ومن جانبه قد تعهد وزير الخارجية الإثيوبى بتشكيل هذه اللجان وأن مصر لن يصيبها ضرراً مباشر فى حصتها من مياه النيل و السد جعل لتوليد الطاقة الكهربائية وليس إلى أغراض أخرى، وتعهد أيضا أن السد مصمم طبقا لأحسن الأساليب الفنية الحديثة والبيئية من حيث الأمان فى بنائه وأى عيوب فنية قد تحدث فى السد بعد ذلك نقوم على الفور بإعادة تصميم السد من جديد نتيجة للخلل الفنى والأمنى الذى حدث فى جسم السد، وكان هذا الكلام من خلال مؤتمر صحفى موقع عليه من جانب وزراء خارجية البلدين وليس اتفاق مكتوب أو وثيقة رسمية دولية مسجلة فى الأمم المتحدة، يتضح من ذلك أن إثيوبيا قامت بالإرادة المنفردة بتنفيذ مشروع بناء سد المياه على النيل دون احترام للاتفاقية الدولية التى من أهم بنودها شرط الإخطار المسبق قبل القيام أو تنفيذ أى مشروع على المجرى المائى للدول المشاركة فيه، ونعود لحديث وزير الخارجية الإثيوبى بخصوص تعهده بعدم تأثر مصر بحصتها المائية وإن كان هذا التعهد غير رسمى فإن مصدر القانون الدولى هو العرف وهل من الممكن أن يتحول حديث وزير الخارجية الإثيوبى إلى وثيقة رسمية دولية مسجلة فى الأمم المتحدة هذا رأى يجيب علية أساتذة القانون الدولى العام فى ذلك ويعتبر هذا الحديث تبصير للمنظمات الدولية والقضاء الدولى على تعهد الجانب الإثيوبى بهذا الكلام لأنه يعتبر بمثابة اعتراف بإرادة منفردة وهذا يعطى الصيغة القانونية للاعتراف أنة بالإرادة المنفردة لأن فى هذا يقول أستاذنا الدكتور محمد طلعت الغنيمى وهو من أعلام القانون الدولى فى كتابه الأحكام العامة فى قانون الأمم أن الاعتراف مجرد كاشف فى مدلوله مسبق وجود الشىء المعترف به، وإن كانت إثيوبيا ضربت عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية دون تفاوض مسبق حول بناء السد إلا إنها ليس من سيادتها أن تتصرف فى مياه النيل كما تتصرف الدولة ذات سيادة على إقليمها أو شعب الإقليم طبقا لميثاق الأمم المتحدة وأعراف القانون الدولى العام، إلا أن ليس لدولة إثيوبيا سيادة على النيل لكى تنعم بثرواته كلها لأن مبدأ المنفعة المشتركة تعد من المبادئ التى لها قوة الإلزام للدول المطلة على نهر النيل بمعنى مساواة هذة الدول من مصادر مياه النيل وإن اختلفت حصة كل دولة عن الأخرى وليس من حق إثيوبيا أن تفرض سيادتها على نهر النيل لأن الحدود الدولية التى قامت بها الدول الاستعمارية بإقامة حواجز بين الدول وبعضها أقرت هذه الحدود المنظمات الدولية والقضاء الدولى حتى لو من قامت بالاتفاق على ترسيم هذه الحدود الدول الاستعمارية الكبرى ودخل فى ذلك أيضا فى اتفاقية الحدود الأنهار حيث تلعب الأنهار دورا هاما فى تحديد حدود الدولة وكلها اتفاقيات طبقا لقواعد وأعراف القانون الدولى العام وحكم أحكام محكمة العدل الدولية بخصوص اتفاقيات المياه مثل اتفاقيات الحدود لا يجوز تعديلها وهذا ما أقرت به منظمة الوحدة الإفريقية بخصوص مياه النيل على أنها مثل اتفاقية الحدود بين الدول المشتركة على نهر النيل لتجنب الصراع بين هذة الدول. ويعتبر هذا هو التفسير السليم للنصوص القانونية لقواعد القانون الدولى العام وأقرته المنظمات الدولية والقضاء الدولى، ويجب أن تسير هذه الدول مع القواعد التى أقرتها هذة النصوص القانونية، وإن كان لا يغيب عنا هل قامت إثيوبيا دعوة البنك الدولى لتمويل مشروع بناء السد وما موقف البنك الدولى فى ذلك سواءً بالرفض أو الإيجاب على العلم أن البنك الدولى يرفض تمويل أى مشروع قد يسبب ضرراً كبيراً للدول المشتركة فى المجرى المائى الواحد، ثم أيضاً الدول الصديقة التى ساهمت فى تمويل وبناء السد هل اتخذت الإجراءات السليمة نحو بناء السد من طبيعة الأرض وتحمل جسم السد للصدمات المائية وهل تجنبت الأضرار التى قد تقع إذا حدث انهيار لجسم السد نتيجة للعوامل البيئية أو العيوب الفنية لأنهم يتحملون نتيجة هذه الاضرار لعدم اتخاذهم الاحتياطيات اللازمة لسلامة وطبيعة بناء السد. فلابد من اللجوء للمنظمات الدولية والقضاء الدولى للحفاظ على حقوق مصر التاريخية المكتسبة فى مياه نهر النيل نتيجة للمراوغة والتعنت الإثيوبى ويعتبر التسوية السلمية لحل نزاع بين الدول من أهم الواجبات العامة التى نص عليها ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945 وبصفة خاصة المادة 33 منه التى قررت الطرق السلمية لحل النزاعات بين الدول المتنازعة سواءً كان بالطرق الدبلوماسية أو عن طريق القضاء الدولى مثل محكمة العدل الدولية، ومن جانبنا نهيب رجال الصحافة والإعلام اتخاذ واجبات الحذر وتحرى الدقة فى مصدر معلوماتهم بخصوص سد المياه الإثيوبى وأن يكون مصادر معلوماتهم الجهات المعنية المختصة فى الحكومة المصرية حتى تكون معلوماتهم رسمية وصادقة والسلطات العامة فى الدولة تستطيع توفير كل المعلومات بخصوص أخر ما توصلت إليه المباحثات بخصوص سد المياه الإثيوبى وذلك حماية للأمن القومى المصرى. تحيا مصر



الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;