أشرف عبيد حسين يكتب: الكـنــز

فى أوائل القرن العشرين أجرت إحدى الشركات اختبارا على ثلاثة من الشبان المتقدمين لإحدى الوظائف الادارية لديها، بأن وضعت أمامهم صورة لطبيب جراح ومساعديه إلتفوا حول منضدة الجراحة وعليها رجل ينزف، بينما وقف شاب فى الثامنة عشرة يرقُب العملية وعلى أرضية الغرفة توجد بندقية ملقاة.. وطُلِبَ من الشبان الثلاثة أن يدونوا ما يتصورونه عما يمكن أن تمثله تلك الصورة. فكتب الأول يقول إن الشاب الظاهر فى الصورة هو طالب فى كلية الطب وقف يشاهد كيفية إجراء عملية جراحية لمريض مُمنيا النفس فى الوقت ذاته بأنه سيصبح جراحا قديرا يوما ما. وكتب الثانى يقول إن الشاب الواقف أصاب رجلا ببندقيته بينما كان يصطاد ثم نقل المصاب للمستشفى ووقف يشاهد العملية متلهفا على معرفة النتيجة. أما الثالث فقال إن الشاب خرج ليصطاد فى الريف وهناك رأى أحد الزراع فطلب منه أن يسمح له بالصيد فى مزرعته وبينما كان الشاب يصطاد انطلقت إحدى الرصاصات فأصابت المزارع بطريق الخطأ، فأسرع الشاب ونقل المزارع للمستشفى فطمأنه الطبيب وذكر له أن الإصابة سطحية وأن المصاب سيشفى خلال أيام.. وبعد بضعة أيام شفى المزارع وأقر أمام الشرطة أن الإصابة حدثت عن طريق الخطأ وأنه لا يحمل أية ضغينة للشاب. الاختبار الماضى من ابتكار أخصائى نفسى يدعى برلى جاردنر.. المهم أن الاخصائين درسوا إجابات الشبان الثلاثة وقرروا أن الشاب الثالث هو الأصلح ليكون مديرا ممتازا لدقة ملاحظته وتفوقه فى تصور الحكاية وإبداعه فى وضع تفاصيل وبداية ونهاية لها. مغزى هذه القصة هو أن الذى يمتلك المخيلة والمقدرة على التصور والابداع هو بالتأكيد الأفضل والأكثر قدرة على مواجهة المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها. واستخلاص نتائج هذه القصة التى حدثت بالفعل يؤكد أن نظام التعليم الذى يجعل الفرد مجرد آلة لحفظ المعلومات واسترجاعها عند الطلب، هذا النظام التعليمى فى الحقيقية أداة فعالة لإنتاج أشخاص ذوى عقول ناقصة وقدرات هزيلة على الابتكار والإبداع مع قابلية كبيرة للنقل والنسخ فقط دون المقدرة على الخلق والتطوير. إن التعليم الحقيقى هو الذى يبنى عقولا قادرة على البحث والتحليل والاستنتاج، هو الذى يطور أذهانا لديها شغف التخيل والابداع، ونفوسا تتوق إلى العلم والمعرفة. إن مشروعاتنا العملاقة – رغم أهميتها – تتضاءل قيمتها ويقل مردودها إذا لم تمضى بالتوازى مع مشروع آخر عظبم وهو مشروع بناء الإنسان، فإذا كنا نسابق الزمن حاليا لنصلح ما أفسده الإهمال.. فإننا أولا يجب أن نصلح نظام التعليم الواهى لدينا. فلنبدا الأن ببناء نماذج لمدارس فيها نظم تعليمية تحاكى مثيلاتها فى دول سبقتنا فى هذا المجال ولنرسل بعثات من المدرسين ليتعلموا فى تك الدول ويعودوا فينقلوا ما تعلموه لزملائهم وتلاميذهم. إننا يجب أن نكون على قناعة تامة أن جل مشكلاتنا ستحل تدريجيا ثم تختفى تماما فقط عندما يتطور التعليم فى بلادنا، وعندما تنجح المدارس والجامعات فى تخريج أجيال جد مثقفة ومتنورة. لا يجب أن نبحث عن الذهب فقط فى باطن الأرض وفى سفوح الجبال، ولكن أولا وقبل كل شىء يجب أن ننفض الغبار عن الكنز العظيم.. عن التعليم.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;