محمد محمود حبيب: خدعوك فقالوا.. تهنئة المسيحيين بأعيادهم حرام

فى هذه الأيام تحل مناسبة جديدة لظهور فتاوى متشددة فى تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وكعادتى فى التصدى لهذه الأفكار المتشددة الحاثة على زيادة الفُرقة والازدراء أحببت الرد على هذه الشبهات فى نقاط واضحة وصريحة كرد على الشبهات المنتشرة على الإنترنت وكترسيخ لمبادئ التعايش والوئام، وهذه النقاط هى : 1- قالوا بأن شهود أعياد المسيحيين محرم بنص القرآن من قوله عز وجل " وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً[سورة الفرقان 72] " ويستند المُحرّمون على ما ورد عن غير واحد من السلف بأن عدم شهادة الزور تعنى عدم التهنئة بأعياد غير المسلمين. ونقول: قد ورد فى شهود وحضور الزور عدة أقوال وتفاسير مختلفة من التابعين (أى تلامذة الصحابة ) مثل تفسيرها بالكذب واللهو بل والغناء فهى اجتهادات وليست حجة خصوصاً عند الاختلاف وتعدد تفاسير الآية، ولم يأت فيها تفسير للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) ولا عن الصحابة إلا عن ابن عباس بقوله هى : أعياد المشركين. فنقول: لم يصح عن ابن عباس ذلك، فقد أخرج هذا القول الخطيب البغدادى فى تاريخه (12/14)، وإسناده ضعيف لا يصح، ففيه على بن عاصم، وجمهور المحققين على ضعفه، فقد قال ابن حجر فى ترجمته فى تهذيب التهذيب ( 7/345): " قال ابن المدينى عنه : كان كثير الغلط وكان إذا غلط فرد عليه لم يرجع ". بل هذا يخالف ما صح عن ابن عباس كما أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه برقم (11847) عن سعيد بن جبير، قال: مات رجل نصرانى وله ابن مسلم، فلم يتبعه فقال ابن عباس: « كان ينبغى له أن يتبعه، ويدفنه، ويستغفر له فى حياته ». قلت : ومن المعلوم أن النصارى يقيمون قداس الجنائز فى كنائسهم، ويصحبون معهم الصلبان وغير ذلك. 2- قالوا تَحرُم التهنئة بأعيادهم لقول النبى ( صلى الله عليه وسلم ) " وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». ونقول: هو حديث ضعيف لم يخرجه البخارى ولا مسلم، وكل طرقه ضعيفة، بل ضعّفه جمع من العلماء منهم الإمام أحمد بن حنبل فقال عن أحد رواته : "أحاديثه مناكير"، كما قال الذهبى فى ميزان الاعتدال برقم (4828)، أى لم يستثن ابن حنبل هذا الحديث من مرويات هذا الراوى، وكذلك ضعّفه الإمامان دُحيم، وأبو حاتم بقولهما : " هذا الحدِيثُ ليس بِشىءٍ " كما فى العلل لابن أبى حاتم (956).فضلاً عن لابد من وجود نية مصاحبة بقصد التشبه، ولا يكون هناك ضرورة كالمجاملة أو تأليف القلوب!. 3- قالوا إن هناك علماء كُثر أفتوا بتحريم ذلك. فنقول: لا يمكن التغافل عن أن بعض فتاوى الأئمة قد تأثرت بالظروف السياسية والاجتماعية التى تعيشها البلاد فى عصرهم، فكما حدث من عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - من إيقاف سهم المؤلفة قلوبهم لتغيّر حال المسلمين من ضعف إلى قوة، فقد تعصّبا ابن تيمية وابن القيم فى مسألة الموقف من غير المسلمين ومرجع ذلك ظروف زمانهما فى انتصار التتار الذى أدى إلى مزيد من الخوف عند التشبه بهم. 4- قالوا لابد من الغلظة مع غير المسلمين لتذكيرهم بباطلهم. فنقول: إن النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان يحترم غير المسلمين فى رسائله إليهم بقوله: " السلام على من اتبع الهدى " وهو ما نراه تصرفًا من النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يدل على جواز هذا النوع من التلطف مع غير المسلم، وهو مبنى على المداراة أو ما يسميه الناس اليوم المجاملة، وهو مستحب عند إرادة دعوة الآخر وهدايته، أو على الأقل فنحن نحتاج لمثل ذلك الآن من أجل تحسين صورة الإسلاموفوبيا. 5- قالوا إن معاملة سيدنا عمر مع النصارى توحى بالتحريم، والمنقولة عنه باسم الشروط العمرية. نقول: مرويات الشروط العمرية فيها اختلاف كبير لا تصل به إلى حدِّ القطع الصحيح بالنقل، بل فيها ما يخالف ما ثبت عن سيدنا عمر من طرق صحيحة مفادها احترام المسيحيين. 6- قالوا جميع مرويات التلطف مع غير المسلمين منسوخة لأنها كانت أول الإسلام. فنقول: قد صحَّ عن النبى أنه أنزل وفد نصارى نجران فى مسجده، وحانت صلاتهم فصلوا فيه، وذلك عام الوفود بعد نزول قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)(التوبة: من الآية 28). وكذلك فقد تعامل النبى (صلى الله عليه وسلم ) بالحسنى والرفق مع غير المسلمين حتى آخر يوم فى حياته ويكفى القول الثابت فى الصحيح بأنه توفه ودرعه مرهونة عن يهودى!!! 7- قالوا أن النبى (صلى الله عليه وسلم ) لم يبح دخول الكنائس للتهنئة. فنقول: النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يوضح ضوابط دخول الكنيسة والجائز والممنوع، فقد دخل صحابة على عهده الكنائس ومنهم زوجاته عندما ذكرن ما شهدنه من صور !!!! وكما يقول العلماء تأخير البيان عن وقته غير جائز 8- قالوا قياساً على عدم الموالاة يقتضى الأمر تحريم التهنئة. فنقول: تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ليس أكثر خطورة وضرراً من منح غير المسلمين سهمًا من الزكاة لتأليف القلوب، بل لم نلحظ أو نشاهد أحداً من المسلمين ترك دينه لمجرد كثرة تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، فلو هناك خطراً محققاً لكان من الأرجى تحريم الزواج من النساء المسيحيات!!! 9- قالوا سدا للذرائع نُحرّم ذلك. فنقول: كما أن قاعدة سد الذرائع أمر مختلف فيه، وأن التزيُّد فى استخدامه قد يمنع أمورًا كثيرة هى فى أصلها مباحة أو جائزة. 10- قالوا ليس فى الإسلام أعيادا غير الفطر والأضحى. فنقول: رأس السنة الميلادية وشم النسيم ليست أعيادا عند المسيحيين ولكنها مناسبات تسبق أو تلى أعياد المسيحيين، وأقوى دليل فى تحريم هذه المناسبات عند القائلين بتحريمها هو ما جاء عَنْ أَنَسٍ ( رضى الله عنه) قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: " أن اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ " والحديث فيه مخالفة تاريخية واضحة، فقد ثبت تاريخياً أن عند قدوم النبى (صلى الله عليه وسلم) المدينة فى أول السنة الأولى من الهجرة لم تكن شُرّعت بَعدُ الأعياد !!! فحتى لم تُشرّع بعدها بشهور فى نفس السنة، بل فى أواخر السنة التى تليها فى الشهر التاسع ( رمضان ) وبعدها بسنوات فى الشهر الثانى عشر (ذى الحجة)!! وهذا مما لا خلاف فيه، والحديث تفرد به حميد الطويل عن أنس وهو مدلس فقد أورد ابن حجر فى ترجمته فى تهذيب التهذيب (3/38) إجماع 13 عالماً على تدليسه عن أنس، والحديث لم يخرجه أصحاب الصحاح برغم أهميته لعدم وجود ما يقوى تفرد حميد به.



الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;