يظل المخرج العالمى يوسف شاهين واحدا من أكثر المخرجين العرب موهبة ودأبا، شاهين الذى لم يتوقف عن الإبداع حتى اللحظات الأخيرة من عمره، كان دائما يفكر فى الفيلم القادم، وماذا سيقدم وأى منطقة شائكة جديدة سيقتحمها، وأى جدل سيصاحب إبداعه الجديد.
شاهين كان حضوره طاغيا وليس فقط أفلامه كان وجوده فى أى مكان يصاحبه دائما صيحات الإعجاب والتصفيق، شاهين كان يأخذ العين والقلب ليس فقط بسبب إبداعاته المميزة التى تمثل تاريخيا متنوعا محفورا فى السينما المصرية، ولكن لأنه بنى آدم فريد فى تركيبته الإنسانية يحاكى الأطفال حينا والمجانين فى أحيان أخرى وتألق المبدع طوال الوقت، شاهين سيكون حاضرا بإبداعاته فى"خمسينية قرطاج" إذ سيتم الاحتفاء بالمخرج الكبير فى "ندوة تكريمية" يحضرها تلاميذه ومحبوه.
مهرجان قرطاج كان واحدا من أحب المهرجانات إلى شاهين، إذ سبق وحصل على "جائزة التانيت الذهبى" عن فيلمه المميز "الاختيار" الذى تدور أحداثه عن (سيد)، الكاتب مشهور تسلّق قمة الهرم الاجتماعى والسياسى باحثًا عن المزيد، متزوج من شريفة، ويستعدان للسفر إلى الخارج للعمل فى هيئة الأمم المتحدة، لكنه يقرأ فى إحدى الجرائد خبر مقتل توأمه (محمود)، فيؤجل سفره ويتصل بالشرطة للبحث عن قاتل أخيه، وتبدأ رحلة البحث لتغمر ظابط الشرطة شكوك حول (سيد) نفسه، فيبدأ بالسعى للإيقاع به.. الفيلم الذى يبدو بسيطا يدور حول جريمة قتل وشخص مريض بالفصام إلا أنه واحد من أصعب أفلام يوسف شاهين يعتمد على بناء معقد أقرب إلى التداعى، ورغم وجود خيط رفيع، هو وجود جثة وجريمة قتل مطلوب البحث عن مرتكبها، إلا أن الفيلم فى الحقيقة لا يدور فى الخارج، وإنما داخل شخصيته الرئيسية التى لا تدرك شيئا عن مرضها، الكاتب الذى يبدو على درجة كبيرة من الوعى، ولكن ينتهى به الحال فى المشهد الأخير فى عربة مستشفى الأمراض العقلية.
فيلم "الاختيار" الذى يعاد عرضه فى الدورة الحالية لمهرجان "قرطاج السينمائى"، من أكثر أفلام شاهين حداثة، والمفارقة أنه جاء بعد فيلمه شديد الكلاسيكية "الأرض"، إلا أن الاختيار يعد تجربة مختلفة فى مشوار شاهين والنجوم الذين عملوا معه فيلمين، الأرض والاختيار، وتحديدا النجمان محمود المليجى وعزت العلايلى.
يحسب لإدارة "مهرجان قرطاج" اختيارهم لاسم المخرج الكبير لتكريمه والاحتفاء به، ليس ذلك فقط بل أن صوت منير يتصدر "الشارة الخاصة بالمهرجان بأغنية "على صوتك بالغنا" التى كانت إحدى أغنيات فيلم المصير .. شاهين الحاضر أبدا ودائما.