ركز منتدى شباب العالم، الذى أقيم فى مدينة «السلام» شرم الشيخ، فى الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر الحالى، على التعايش والسلام، بين أبناء الشعب الواحد، من جهة، والشعوب مع بعضها البعض، من جهة ثانية، مهما تعددت الاختلافات الدينية، والثقافية..!!
وتظل رسالة «السلام» المنطلقة من مدينة «السلام»، هى الأقوى والأهم لكل دول العالم، بشكل عام، ودول الإقليم بشكل خاص، والذى أنهكته الصراعات والانقسامات، ومحاولة كل طرف من أطراف الصراع، فرض هيمنته وهويته على الأطراف الأخرى.
جاءت رسالة السلام، فى توقيت يشهد فيه العالم، وفى القلب منه منطقة الشرق الأوسط، صراعا يهدد بقاء دول، ويستدعى الاستعمار القديم للمنطقة للسيطرة على مقدراتها وثرواتها، ومن غير مصر يمتلك زمام مبادرة تدشين السلام..!!
تاريخ مصر حافل، بإرساء قيم الحق والعدل والسلام، ومن أراضيها انطلقت كل رسائل التنوير، والمعانى السامية للإنسانية، فكل دول العالم تقيم للاجئين خياما ومعسكرات خاصة وبعيدة على الحدود، إلا مصر، لم تقم خيمة واحدة للاجئ وإنما تحتضنهم مثلهم مثل شعبها..!!
ومن غير مصر التى دشنت منذ فجر التاريخ رسائل السلام، وتحديدا منذ عام 1258 قبل الميلاد، أى أكثر من 3276 عاما، عندما وقع الملك رمسيس الثانى من الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة، معاهدة سلام مع الحيثيين، والمسجلة على أكثر من نسخة مختلفة من ألواح الفضة والطين وورق البردى..!!
حينها، أى منذ 3276 سنة، لم تكن هناك أمريكا، وإسرائيل، ولا تركيا، ولا قطر، وهى دول الشر، الذين يؤججون الأوضاع ويشعلون نار الفتن فى دول الإقليم، بحثا عن فرض هوية منزوعة من كل دسم وعبق التاريخ.. هوية طفيلية، تحيا على امتصاص وابتزاز الغير، ولا تعرف للإنسانية والتعايش السلمى سبيلا، ولا يجيدون سوى لغة المصالح، ولديهم استعداد لإزاحة دول من فوق الخرائط الجغرافية، من أجل تحقيق هذه المصالح..!!
اتفاقية «قادش» للسلام، التى وقعها الملك المصرى رمسيس الثانى، مع نظيره الحيثى، دُشنت رغم انتصار جيش مصر الذى قاده الملك بنفسه، ورغم الانتصار، استجابت مصر لمبادرة السلام، التى نادى بها مواتللى الثانى ملك الحيثيين.
ولن نكون مزايدين إذا اعتبرنا معاهدة قادش هى الأساس لجميع المعاهدات التى توالت بعد ذلك، لاسيما أنها «جمعت بين تطبيق القوانين والتشريعات وضمان حق الشعوب فى العيش بأمن وسلام، والتأكيد على أهمية إقامة علاقات جيدة بين الدولتين، والسعى إلى إحلال سلام أساسه احترام سيادة أراضى الدولتين، والتعهد بعدم تحضير الجيوش لمهاجمة الطرف الآخر، وإقامة تحالف وقوة دفاعية مشتركة، واحترام الرسل والمبعوثين بين الدولتين لأهمية دورهم فى تفعيل السياسة الخارجية، واللجوء إلى لعنة الآلهة كضمانة لهذه المعاهدة، حيث تصب اللعنات على من يخالف بنود الاتفاقية.
وكما ذكرنا، المعاهدة نُقشت على لوح من الفضة، ولوح من الطين، باللغة الحيثية، وخطها «المسمارى»، وكتبت على ورق البردى باللغة المصرية القديمة، وخطها «الهيروغليفى»، وهناك نسختان، واحدة فى الأمم المتحدة، باعتبارها أقدم وأهم معاهدة للسلام فى التاريخ، والثانية، وياللعجب، موجودة فى متحف اسطنبول الأثرى بتركيا..!!
والاتفاقية منقوشة أيضا، على جدران الصرح الأول لمعبد الأقصر، وعلى جدران معبد الرمسيوم ومعبد أبو سمبل، وتظهر الجداريات، الملك رمسيس الثانى وافق على معاهدة السلام بـ«رأس مرفوعة»، جعلت منه «أول بطل للحرب والسلام» فى تاريخ البشرية.
وأثبتت معاهدة قادش للسلام، أن الحرب مدمرة، فبعد 16 عاما من الحروب التى خاضها رمسيس الثانى ضد الحيثيين، تكبدت فيها البلاد خسائر فادحة، وانهار اقتصادها، وفقدت خيرة شبابها، وبعد توقيع اتفاقية السلام، تمكن رمسيس الثانى من الاهتمام بإقامة المشروعات، ومشاريعه المعمارية والهندسية الخالدة، وانعكاس ذلك على ازدهار مصر بشكل واضح.
مصر، وكما قدمت للإنسانية، مشاعل العلم والتنوير، وتراثا حضاريا عظيما، وجنحت مبكرا للسلام والأمن والاستقرار، عادت لتؤكد هذه القيمة العظيمة، حديثا، لتذكر العالم، بقيمة السلام، عندما أعلن الرئيس الراحل، أنور السادات، مبادرته للسلام مع إسرائيل، وتم توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، أى منذ 39 عاما، والأمر لم يكن فى توقيع الاتفاقية، وإنما فى المخزون الحضارى العظيم للمصريين، القائم على احترام الاتفاقيات والتعهدات، وعدم خرقها..!!
رسالة «السلام» المنطلقة من منتدى شباب العالم بمدينة «السلام» شرم الشيخ، مهمة وجوهرية، وترسخ لمبادئ القيم العليا للإنسانية، وفجر الضمير، الذى تتمتع به مصر.. مصر وفقط..!!