حقيقة غياب الأخلاق والضمير..

إن البحث فى ما يمكن من برهان على حقيقة الكون فى العلوم التى ثبتت أصولها، وعرف وجه الحق فيها، أمر فى غاية الصعوبة مع كل اكتشاف جديد نراه يوم بعد يوم فى عالمنا المتقدم، خاصة هذا البرهان فيها على مطابقة النظريات الحديثة لما هو واقع فعلا مطابقة تامة من كل وجه فى أمور كثيرة نتعايش معها، مطابقة لا تقبل الاستثناء.

لذا وجب علينا أن نجد المعايير التى تمحص بها الحقيقة فى أمور العقيدة والضمير والأخلاق والجمال والحب، وهذا بعد أن ثبت أن البراهين النفسية والمنطقية فى كثير من الأحيان لا تكفى لتحديد ما هو واقع فعلا، لأن تلك البراهين قد تكون كافية لإظهار ما هو خطأ لكنها لا تحدد الصواب وذلك لكثرة المذاهب الصحيحة عقلاً ونفسا، والمعيار الذى يقاس به الحق فى المعنويات هو اتساق النظام المقترح مع النظم الكونية التى ثبت صوابها ثبوتا علميا والتى عرف نظامها رياضياً وحسابيا، والأصل فى ذلك أن الكون له نظاماً واحداً وآلة الماديات وأخره - على الأقل فى ما يتعلق بالإنسان - المعنويات، وليس هناك ما يدعو إلى فرض نظاماً عاما يشتمل على الأمرين معا فإذا استقام لنا أن نجد هذا النظام الشامل الذى نتبين فيه أوجه التقارب بين الماديات والمعنويات فإن اتساق هذا النظام يصبح معياراً للحقيقة فى المعنويات أيضا. وقديماً عرف الناس أن عقدة العقد فى المعرفة هى إيجاد الأساس المادى للأخلاق والضمير، فإن بينهما فجوة لم يهتد أحد بعد إلى عبورها، ولا بد من الكشف عن هذا الأساس قبل أى حديث عن وحدة المعرفة.

ومن هذا المنطلق الفكرى الصواب، وجب علينا أن نقيم بناء المعرفة من جديد، على أن يكون أساس هذا البناء فى بلادنا، ما نعرفه معرفة كاملة عن نظام الماديات الذى حطمه تدنى الأخلاق وغياب الضمير فى الفترة الأخيرة، وهذا أمر ممكن الوصول إليه من خلال دراسات وأبحاث علماء الاجتماع فى مصر، حتى وإن لم يكمل علمهم بكل تفاصيل هذا النظام الكونى بعد مكتمل، مثل ذلك مثل المثلث، إذا عرفت قاعدته وزواياه أمكن معرفة الكثير عن خصائصه وإن لم يكمل رسمه، وعلى هذا الأساس نقيم علوم الحياة على النسق نفسه، حتى إذا استقام لنا من العلم ما يستطيع معه أن نعرف نظامها، قاعدته وزواياه، أمكن بعد ذلك أن ننتقل إلى نظام الإنسان المعقد ومعنوياته، فنظامهما نظاماً لا يختلف فى عمومه عن نظام الحياة ذاتها، وهذا ما فعلته دول الغرب المتحضرة، وإننى أعتقد أننا فى مصر قد وصل علمنا بالماديات والحياة إلى الحد الذى نستطيع معه أن نقيم هذا البناء الجديد للمعرفة، بهذا نستطيع أن نتبين نظام المعرفة على الرغم ما يكون فى علمنا بالتفعيلات من نقص عن غيرنا من الدول المتقدمة والتى سبقتنا إلى المعاصرة.

وفى النهاية نختار من بين المذاهب الفلسفية والدينية ما يتفق وهذا النظام مع عاداتنا وتقاليدنا وثقافاتنا وتراثنا الإسلامى والقبطى، وبهذا وحده يتبين لنا وجه الحق لأسباب تدهور الأخلاق والضمير فى نظم الإنسانيات، الذى ما ليس من طبيعته أن يثبت بالبرهان العلمى، كما هو الحال فى النظم والتفسيرات الأخرى لظواهر الكون المادية ..! •أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة - جامعة القاهرة.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;