مستقبل الشرق الأوسط يحكمه الماضى.. داعش وأحلام الخلافة فى عهد الموجة

فى نهاية سنة وبداية أخرى، لا يوجد خط يفصل التاريخين، ومع هذا نتعامل مع الأمر باعتباره نهابة وبداية، الواقع أن العام القادم هو امتداد للحظة الحالية بتفاصيلها. ومن دون مفاجآت، فإن ما يحدث اليوم فى الشرق الأوسط والعالم العربى والعالم هو نتاج تفاعل سنوات وربما عقود سابقة، فقد ظل العالم الثالث يتحدث عن ثورة التكنولوجيا واجتياحات العولمة التى بدأت منذ السبعينيات من القرن العشرين، وربما قبلها، ثم تصاعدت خلال الثمانينيات قبل أن تتجلى فى التسعينيات لتبدأ أكبر هزات جيوسياسية، غيرت من حاضر الدول ومستقبلها. وما تزال هذه الهزات والتوابع التى يواجهها العالم العربى، انعكاساً لما جرى قبل ثلاثين عام وأكثر، وقد انشغل علماء السياسة والاجتماع فى أوروبا والعالم الأول برسم توقعاتهم للمستقبل وطرح ألفين توفلر عام 1970 هذا فى كتابه «صدمة المستقبل»، ثم بعدها بعشر سنوات الموجة الثالثة التى اعتبر فيها أن العالم عاش الموجة الأولى الزراعية، ثم الثانية الصناعية، والثالثة التى ترتبط بحجم وتطور تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرمزى، وختمها بكتابه تحول السلطة عام 1990 متوقعا أن تتغير أشكال وأنواع السلطة التقليدية فى السياسة والاقتصاد والطب والاقتصاد والتجارة. كان سور برلين بالكاد سقط، ويومها رسم علماء المستقبليات الدور الذى لعبته شاشات التلفزيون فى إسقاط الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية، كان العالم خلال التسعينيات يتحدث عن المستقبل بينما الشرق الأوسط ودوله تعيش فى الحاضر وربما الماضى من حيث التفكير الماضى والبقاء من دون أى اهتمام بما يجرى من تحت الأقدام. فى عام 1990 بدأت الأمور بخطوة صادة عندما اجتاح الجيش العراقى الكويت، وكانت نقطة البدء فى انفراط عقد الشرق الأوسط، صحيح انتظرت الولايات المتحدة 13عاما ليبدأ جورج دبليو بوش الابن الخطوة التى بدأها والده فى يناير 1991، اكتفى الأب بهزيمة للجيش العراقى وفرض حصار لأكثر من عقد، وكانت قناة «سى إن إن» تعرض مشاهد الحرب على الهواء، وبعد 13 عاما غزا بوش الابن العراق وفكك الجيش والدولة، فى حرب دارت كلها على الهواء. فقد كان عصر المعلومات والاتصالات بدا بقوة، واجتاحت التكنولوجيا الاتصالية العالم ليصبح الجميع «أون لاين». قبل عام 2000 كانت هناك توقعات بحدوث شلل فى أجهزة الكمبيوتر بسبب مشكلة الصفر، واشغلنا بهذه المشكلة لشهور طوال التسعينيات، واستعدت بنوك ومؤسسات بأرشيف ورقى، تحسبا لتعرض الملفات لعملية مسح بسبب ما سمى بارتباط الثفر، والذى كان يعنى لحظة انقلاب رقمية. مر العام وجاءت الألفية من دون أى مشكلات فى الصفر، لكن حدث ما هو أكبر، ولم تبدأ التحولات مع الألفية، لكنها بدأت قبل ذلك بعقدين على الأقل، لكن بدأت التغيرات كمية وببطء ومن دون أثر ظل الجميع يتحدثون عن تحولات فى شكل السلطة وفى عالم المعلومات. كانت التحولات أخطر من الصفر، حيث ظل العالم العربى بعيدا عن ثورة الاتصالات، حتى اجتاحته الموجة الثالثة بكل قوة ومن دون سابق إنذار، وهى التحولات التى هزت شكل ومضمون سلطات استقرت لعقود، ضمن الموجة الثانية وربما الأولى، حيث شهد العالم العربى موجات احتجاج من خلال أدوات التواصل، جنبا إلى جنب مع تنظيمات إرهابية تستعمل تكنولوجيا الموجة الثالثة، بأفكار الموجة قبل الأولى، بل إن داعش التنظيم الأكثر دموية وعنفا، كان يستعمل أحدث تقنيات التصوير والجرافيك والمونتاج والاتصال، ليجمع بين أفكار من قرون مع تقنيات اليوم والغد، فى مفارقة سوف تستمر لسنوات قادمة، لأنها لم تولد فجأة، فقد وجد خليفة داعش المزعوم أبو بكر البغدادى، اتباعا يحلمون بإعادة دولة الخلافة، ويتم تجنيدهم بأحدث تقنيات العصر،وفى شوارع أوروبا والشرق الأوسط شباب يحنون لعهد الخلافة العثمانية التى لا يذكر لها إنجاز حضارى غير الغزو والقتل وتسليم العالم العربى للتخلف والاستعمار، ولا يمانع أردوغان من توظيف هذا الوهم لجمع مؤيدين فى عالم عربى ما يزال يحتضن كل التناقضات، وتنظيمات إرهابية فى أفريقيا وآسيا تقتل وتفجر وتسبى فى زمن الموجة الثالثة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعى. ولهذا لا يمكن فصل موجات التحول التى بدأت قبل عشر سنوات، عن تغيرات عقدين سابقين، حيث ظلت أنظمة مختلفة تحاول تجميد الحاضر، بينما المستقبل يصدمها ويطيح بما استقرت عليه، وما يحدث غدا وفى عام جديد لا ينفصل عما نفعله اليوم أو أمس، وما يزال الماضى يحكم أفكار الشرق الأوسط لفترة مقبلة.



الاكثر مشاهده

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

;