"نمبر وان" والأزمة الحضارية

بداية : أود أن أؤكد علي أننا نمر في تلك السنوات الثقال بأزمة ثقافية و أخلاقية و قيمية و فارق حضاري قد ازداد بشكل سريع جداً ليبعد بنا عشرات السنوات عما ينبغي أن نكون عليه الآن ! تصدرت الرداءة و ساد التدني بالمجتمع و تفشت الملوثات السمعية و البصرية بسبب تطورات العصر و تغيرات أذواق الجماهير ، إذ أصبح المبرر الرسمي المتصدر لكافة الأنتقادات ( الجمهور عاوز كده ) ،فكل تلك الأسباب ليست إلا شماعات يعلق عليها الأخطاء كل مذنب مقصر ليخلي مسؤوليته أمام الآخر فحسب ! لكنها في واقع الأمر الحقيقة المرة التي علينا جميعاً التوقف أمامها و الإعتراف بها دون خجل أو تبرير إن كنا بحق نريد الإصلاح ، ألا وهي أننا دون المستوي الذي يسمح لنا بالتنافس و إثبات الوجود بمناخ غني متنوع به لون متميز من جميع الألوان يرضي كل ذوق من جميع الأذواق . فنحن الآن بحق نمر بأصعب أوقات حيث تتراجع المعايير الأخلاقية وتتصدر القدوة السيئة المشهد كله علي كافة المستويات فكلما استنشقتنا الهواء كادت أن تخنقنا رائحة الفساد و التدني التي تنبعث من كل شئ تراه أعيننا و تسمعه آذاننا و تدركه عقولنا في الثقافة و الفنون و التعليم و الرياضة و التربية و الأخلاق ! أما عن أحدث الأمثلة التي تدلل و بقوة علي هذا التراجع الحضارى والأخلاقى هذا النجم الذي بات قدوة و أسطورة يسير علي نهجها أكبر قطاع من شباب مصر ، صاحب الكليبات الشهير و الحفلات الصاخبة و التقاليع المنقولة عن ثقافات أخري و الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام و التواصل الإجتماعي بتعجب و انتقاد و لكن دون جدوي " نمبر وان " !!الذى يضرب كل القيم بشراسة وآخر مواقفه الغريبة واقعة الفيديو الذى تسبب بالقضاء علي مستقبل و طموحات و أحلام الطيار المصري الذي تم إيقافه عن العمل مدي الحياة !و بالفعل تجلت حالة الإستفزاز بهذا العرض المادي السخي الذي عرضه علي جمهوره كتعويض للطيار من باب المنظرة و المراءاة ! أعزائي المندهشين : لم تندهشون و تنتقدون هذا النجم لإطلاقه هذه الكليبات التي تؤكد للجميع أنه الأول بلا منازع بحسابات الأرقام ؟ ألم تكونوا أنتم من حققتم له هذه النسب من المشاهدات ، أي أنكم شركاء بالجريمة ! ألم تكونوا أنتم من دفع آلاف الجنيهات لحضور حفلاته الصاخبة . ألم تكونوا أنتم السبب الأول و الأخير لرفع هذا الشاب علي القمة و تقاضيه أعلي أجر لفنان بنسب مشاهداتكم لأعماله و إقبالكم عليها ؟ ألم تكونوا أنتم من جعلتوا منه قدوة "سيئة" يحتذي بها الصبية و الشباب ليقلدوا سلوكها شكلاً و موضوعاً بشكل كارثي ؟ ألم تكونوا أنتم من تسببتم في إصابة هذا الشاب بهذه الحالة من الغرور و التعالي نظراً لعدم قدرته علي تصديق ما هو فيه و ما تخطي حاجز أحلامه بأيديكم و مباركتكم ؟ فقد أصبح المألوف الآن هو تصدر الأنصاف و غير المؤهلين و أشباه الموهوبين الصورة !! في حين تتراجع جميع الكفاءات و المواهب و أصحاب الإمكانات في الصفوف الخلفية . هل نعتبر هذا الوضع المعوج بفعل تطور الحياة الذي لا يتوقف و لكن فقط للأسوء ؟ هل تعتبر تلك الظاهرة من أهم أسباب تراجعنا للخلف في حين يتقدم العالم للأمام باستمرار دون توقف ؟إذ تفردت مصر في العقدين الماضيين بهذا الوضع المقلوب في كافة ً المجالات فنياً و ثقافياً و علمياً و رياضياً و اجتماعياً و خلقياً فلم تعد الكفاءة معيار لأي شئ ، فليس بالضرورة أن يكون الطبيب الأشهر و الأعلي سعر هو الأكفأ ، و لا المغني الأشهر هو الأكثر موهبة و الأجمل صوتاً و لا الكاتب الأشهر هو الأفضل و الأبدع و لا الفنان المتربع علي عرش النجومية و الأعلي أجراً هو المستحِق عن جدارة لأسباب هذه النجومية ! لا أعلم من ذا الذي يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا الجرم المجتمعي الذي لم يلتفت أحد لمدي خطورته علي الأجيال الجديدة ، فقد أصاب جيلين أو ربما ثلاث و ما زالت الكارثة مستمرة بشراسة ! يا أولي الأمر في كل المجالات : أفسحوا الطرق لذوي الكفاءات ، و امنحوا الفرص لمستحقيها الذين تواروا تحت أتربة الزيف و الكذب و البالونات الممتلئة بالهواء فحسب ! فإن حقاً تمت السيطرة علي تصدر الأنصاف و عديمي الكفاءة ليخرج للنور و يفيد المجتمع كل موهوب و مؤهل في مجاله دون واسطة أو محسوبية أو خلافه ، لربما تنصلح الأحوال و تستقيم الأوضاع المقلوبة و حينها ربما نستطيع أن نلحق بما سبقنا إليه غيرنا و نستقل آخر عربة في قطار التطور و الإنطلاق . أمل كبير في مستقبل أفضل و لعله قريب



الاكثر مشاهده

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

;