هل نحفظ أمن و سلامة الكوكب؟

في نظرة تأملية عميقة لهذا الكابوس الذي أصاب بني البشر أجمعين أثناء غفلتهم الطويلة و استغراقهم التام بمتاع الدنيا و أطماعها الدنيا التي لم تشفع لهم و لم تقيهم شر فيروس ضعيف لا يري حتي بالعين المجرده ، لتري أعيننا و تدرك عقولنا أن الدنيا بملذاتها و شهواتها و أطماعها لا تساوي جناح بعوضة ، و إن نظرنا لكوكب الأرض بأكمله من الفضاء الخارجي ، سنفرك أعيننا مرات و مرات لتستوعب عقولنا ما نراه درباً من دروب الخيال ، إذ نري الأرض تحولت إلي أرض أشباح خاوية علي عروشها ، بعد أن توقفت الحركة التي هي الحياة بالمدن العالمية الكبري لعدة أشهر ، تلك التي كانت تعج بالحياة آناء الليل و أطراف النهار ، إذ رأينا مدينة نيويورك و بكين و شنجهاي و باريس و القاهرة ساكنة مستكينة خلت شوارعها و طرقاتها من الحركة بعد فرض الحظر بشكل جماعي بكافة بقاع الأرض . فمنذ خلق الإنسان علي ظهر هذه الأرض لم يشهد حالة عامة تجمع بين الأبيض و الأسمر و الأصفر و الأسود ، و بين الغني و الفقير و الوزير و الغفير و بين دولة كبري تمتلك مقاليد أمور الدنيا و أخري نامية ، حتي عندما مر سكان الأرض بمصائب جماعية كبري و أوبئة عظيمة حصدت مئات الآلاف من أرواح البشر بالقرون الماضية مثل الطاعون و الكوليرا و الإنفلونزا الأسبانية و غيرهم ، إذ كانت بقدر قسوتها تجتاح بقعاً بعينها من الأرض و تنتشر بدولاً محددة و لم تمتد أبداً لتنال من كل شبر بأرض الله الواسعة كما أن العولمة بجانب ثورة الإتصالات بالعصر الحديث و خاصة بالسنوات الأخيرة قد كانت سبباً رئيسياً في انتشار الأخبار بأدق تفاصيلها من مشارق الأرض لمغاربها في ثوان معدودة ليصبح حجم التأثير و التأثر واحد في شتي دول العالم . أي أن هناك و لأول مرة بتاريخ الإنسانية هماً واحداً يحمله بني البشر جميعاً علي اختلاف أشكالهم و ألوانهم و ألسنتهم و معتقداتهم ، و حلماً واحداً يحلم بتحققه الجميع و هو انقشاع هذه الغمة و معاناة مشتركة خرجت عن أطر الحياة الروتينية بمستلزماتها و تطلعاتها المعتادة و ما يصاحبها من ضجر و ملل و أحياناً اكتئاب يعاني منه الكثيرين و التي باتت درباً من دروب الرفاهية في زمن كان جميل نتمني عودته بأزماته مرة أخري . فما كان يؤرق الإنسان بالماضي و يشكل عقبات و عثرات بحياته كالإرهاب و الحروب و تجبر دولاً تمتلك المال و السلطان علي أخري مستضعفة لتتسع الممالك و الإمبراطوريات و تتكدس الخزائن و تستعد ترسانات الأسلحة بأحدث الطرز ، لم يعد هو الهم الأكبر . فلم يشعر يوماً إنسان علي وجه الأرض بمعاناة الآخر الحقيقية بأرض غير مستقرة ، إذ كان علي الأكثر يتعاطف معه لفترة وجيزة ثم يستغرق مرة أخري بأموره الخاصة و لم تكف الحياة يوماً عن إسعاد أناس و إغراقهم بالنعم و إتعاس آخرين و حرمانهم منها ، لأنه قانون الحياة الذي لا يؤتمن ، فسرعان ما تدور الدوائر و تتبدل الأحوال بشكل لم يكن يتوقعه أحد ، لكننا الآن نواجه هذا الهم الكوني البشري الذي أصاب به الله لحكمة لا نعلمها بني الإنسان ليترك خلف ظهره هموماً بدت له يوماً كبيرة و سرعان ما صغرت و تلاشت بعد أن أصابه هذا الهم الجماعي الشامل الفريد من نوعه . تري هل يسفر هذا الكابوس المخيف عن جانب آخر أكثر إشراقاً بعد أن توحد بني الإنسان لأول مرة بتاريخ البشرية علي هم واحد و حلم بحلم واحد و سعي نحو تحقيق هدف واحد ؟ هل يتخلي هؤلاء الذين تكبروا في الأرض عن كبرهم بعد تجربة قاسية ما زلنا ننتظر المزيد من موجاتها و التي ستنقضي برحمة الله ، لتكون عبرة لمن يعتبر و موعظة لكل من له عقل برأسه و قلب ينبض بصدره ، أنه ليس لدي الإنسان خيار آخر عن تصحيح المسار الخاطئ و الإستيعاب الكامل لحقيقة واحدة أهم من التفنن في تطوير الأسلحة الذرية و الطاقة النووية لتسن كل دولة أسنانها تحفزاً لإلتهام الأخري حال إن استلزم الأمر ، و يكف داعمي الإرهاب و ممولي الحروب و الخراب و يهدِئ أصحاب الهيمنة و التسلط من تطلعاتهم الغير محدودة ليقف الكل متأملاً مدركاً من خلال التجربة الموحدة التي اشترك بها الإنسان بشكل عام و يكتشف ما هو أهم من كل هذا الهراء الذي لا يثمن و لا يغني عن جوع بشهادة الواقع و هو : "كوكب الأرض " هذا الذي فاض و ثار غضبه من شدة انتهاكات البشر و تطاولها علي طبيعته ، ألم نري التغيرات الحادة بالمناخ التي قد تودي بسكان الأرض جميعاً لتكون سبباً مباشراً بهلاكهم ؟ هل ندرك أن الإهتمام القادم يتركز في المحافظة علي سلامة و استقرار هذا الكوكب و حفظ طبيعته و الكف عن انتهاكه ليظل صالحاً لمن يأتي بعدنا من أجيال تسلبها أطماعنا حق الحياة الآمنة التي كدنا نفقدها إلي أن يرث الله الأرض ؟ ألم نري بفترة وجيزة مجرد أشهر قليلة منذ انلاع الأزمة و اجتياح الجائحة لدول العالم أجمع أن معدلات و نسب التلوث البيئي قد تقلصت بشكل كبير ، كنتيجة مباشرة لتوقف بعض مسببات هذا التلوث كأبخرة المصانع و عوادم السيارات بعد فرض الحظر نصف اليوم فقط و إغلاق عدد من المصانع الكبيرة ! ألم تتكبر الولايات المتحدة التي تعد الدولة العظمي لترفض اتفاقية المناخ و تنسحب منها بغطرستها المعهودة كي لا تتنازل عن سنتاً واحداً من ثرواتها الإقتصادية و لو علي حساب تلوث البيئة و الإحتباس الحراري نظراً لتغيرات المناخ المتزايدة و التي أضرت بالطبيعة و قلصت نسب الأكسجين و انقرضت علي إثرها سلالات بعينها من ممكلة الحيوان كما تضررت صحة الإنسان كتبعة من تبعات هذا التلوث ، تلك التي لا يكترث لها جبابرة الأرض و لا تتبدل مخططاتهم باستمرار السيطرة و التربح ، و التي تتزايد و تتضخم كلما مرض البشر و قتلوا بالحروب لتذدهر تجارتي السلاح و الدواء ! نهاية : هل سيظل الإنسان متشبساً بأطماع الدنيا مستمراً بغيه بعد انكشاف الأزمة و نسيانها كعادته ، أم أن اختبار الكورونا الذي أرسل به الله رسالة موحدة شديدة اللهجة لبني البشر سيسفر عن جانب إيجابي مشرق تتحول به الأرض التي لم ينقطع بها صوت الرصاص و القنابل يوماً إلي المدينة الفاضلة التي يترك فيها البشر أطماعهم و يتخلوا عن أنانيتهم و يتحسبوا جيداً لأزمات أخري قد تحل كعواقب محتملة لما اقترفت أياديهم ، ليحفظوا أمن و سلامة هذه الأرض التي يسكنونها ؟



الاكثر مشاهده

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

جامعة القاهرة تنظم محاضرة تذكارية للشيخ العيسى حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"

;