الاقتيات على الشائعات

عانينا الفترة الأخيرة من كمٍّ غير مسبوق من الشائعات والأخبار الكاذبة، التى سعى من خلالها المتطرفون إلى إعاقة كل عمليات التنمية والبناء والتطوير التى يشهدها وطننا، فقد ثقُل على نفوسهم أن يروا تلك الإرادة المجتمعة من الأمة المصرية حكامًا وشعبًا على النهوض بالوطن وخوض التحديات الراهنة، والخروج منها بقوة وثبات، فحاولوا جاهدين تفتيت تلك الإرادة، وبث الإحباط فى نفوس الشعب من خلال حملة شائعات منظمة ومكثفة نشرت قدرا غير مسبوق من الأكاذيب والافتراءات. عمليات التضليل التى تسعى إليها قوى التطرف من خلال نشر الشائعات تمثل إحدى أدوات حروب الجيل الخامس التى تضم أطرافا متنوعة من دول وكيانات عابرة للحدود القومية وشبكات وجماعات، وتضم أفرادا أيضا يعملون بطريقة الذئاب المنفردة، فكما يقوم بعض الأشخاص منفردين بتنفيذ عمل إرهابى دون الانضمام لتنظيم إرهابى أو جماعة متطرفة، فكذلك يقوم البعض بشكل فردى بمحاولة الترويج ونشر الأكاذيب والشائعات ليكونوا أصحاب الدَّور الرئيسى فى هذا المشهد التخريبى، الذى يهدف إلى تنفيذ أجندات خارجية وصولا لأهداف سياسية عبر تناقل الأفراد للشائعات عن طريق أحاديثهم فى التواصل الاجتماعى أو مجالسهم الخاصة. ولا تزال الشائعة تمثل السلاح الأقوى لقوى التطرف فى ضرب الاستقرار وإضعاف النسيج الوطنى للمجتمع، خاصة إذا نالت تلك الشائعات من المؤسسات الوطنية الرئيسية للدولة، وهو ما حاولت تلك الجماعات فعله؛ فقد سعت للنيل من الجهاز الأمنى والشرطة، لضرب الثقة بين المواطن وبين المؤسسة الشرطية؛ أملا فى الوصول لحالة من الانفلات الأمنى، وهى البيئة المناسبة لعمل الجماعات المتطرفة حيث لا توجد رقابة أمنية على أعمالهم الإجرامية. كما حاولت الجماعات المتطرفة وأبواقها الإعلامية النيل من المؤسسات الدينية الوطنية المصرية عن طريق حملة من الأكاذيب والشائعات تستهدف أعلام العمل الدينى ومؤسساته، وهدفت تلك الحملات الفاشلة إلى إضعاف دور تلك المؤسسات التى تهدف إلى نشر الوسطية والدين الإسلامى بالفهم الصحيح الموافق لمراد الله تعالى ومقاصد الشريعة الإسلامية، إلا أن تلك البيئة المعتدلة لا تصلح أيضا للمتطرفين الذين لا ينشطون إلا وسط مجموعة من أفكار الغلو والتشدد وبيئة تسودها مشاعر الكراهية. لا بد أن نعلم أن مواجهة الشائعات مسؤولية وطنية مشتركة بين أبناء الوطن جميعا، كلٌّ يؤدى دوره فى مكانه وموقعه، فالشائعة تموت فى مهدها إذا كفَّت الألسنة عن تناقلها والترويج لها، وتتطور وتزداد خطورتها إذا وجدت طريقا للانتشار، فكلما انتشرت تطورت، وكلما زادت تمادت، وأخذ الكذب فيها ينمو ويتشعب، ولذلك تتأكد تلك المسؤولية فى حقنا جميعا، ويقع على عاتقنا كأبناء مخلصين لذلك الوطن كف ألسنتنا عن الترويج للباطل ومطالبة مروجى الشائعة بأدلتهم عليها والسؤال عمَّن شَهِدها، وعدم الخوض فيما لا علم لنا به ولم يقم عليه دليل صحيح، وعدم التهاون والتساهل فى أمر الشائعة، بل اعتبارها أمرا عظيما، وتنزيه السمع عن مجرد الاستماع إلى ما يسىء إلى الغير واستنكار التلفظ به. إن مروجى الشائعات من المتطرفين وكارهى الخير للوطن هم المرجفون الذين عناهم الكتاب الكريم، والذين يجب التصدى لهم بإماتة باطلهم من الشائعات دون تناقله أو الترويج له، فقد حرَّم ديننا الإسلامى بل وكل الأديان نشر الشائعات والترويج لها، وخاصة تلك الشائعات التى ترتبط بنشر الفواحش بين الناس؛ فقد توعَّد الله تعالى بالعقاب الأليم فى الدنيا والآخرة من أحب أن تشيع الفاحشة بين المسلمين؛ فقال تعالى: «إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، فكيف الحال بمن يعمل على نشر الفواحش بالفعل، فلا شك أن جرمه ووعيده أكبر بكثير. يبقى أن نقول إن الشائعات التى تحيط بنا اليوم هى فى حقيقة الأمر أشد وأكثر خطورة وفتكا بالأوطان من الفيروسات القاتلة التى بثت الخوف فى نفوسنا، فنحن عندما نواجه خطرا ظاهرا كالفيروسات فإننا نكون فى كامل وعينا بخطورته وضرره، بخلاف الشائعة التى تنقل الشخص إلى منطقة اللاوعى، فيُساق من غير أن يدرى إلى مسارات تهدد أمنه وأمن مجتمعه، ومن هنا كانت خطورة الشائعة على الوطن أكبر بكثير من خطورة الفيروسات.



الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;