بيت جوتشي

الشيء اللافت عند عرض، الفيلم الروائي "House of Gucci" أو بيت جوتشي للمخرج الهوليوودي الشهير ريدلي سكوت، ضمن القسم الرسمي خارج المسابقة، بالدورة الـ 43 من مهرجان القاهرة السينمائي، والذي تزامن مع توقيت عرضه في الولايات المتحدة الأمريكية، هو هذا الإقبال الكبير لمشاهدة الفيلم، حتى أن التذاكر نفدت ولم تتح فرصة مشاهدته لكثيرين في إطار المهرجان، ما يثير السؤال: لماذا يُقبل جمهور لمشاهدة فيلم عن واحد من ملوك الموضة والأزياء العالمية؟ بينما بعضهم لم يشترِ شيئًا من منتجات العلامة التجارية الشهيرة، أو حتى نسخًا مقلدة عنها؟! يتبع هذا السؤال، أسئلة أخرى من نوع: ما هي المتعة في مشاهدة فيلم يسرد سيرة ذاتية، فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية، على الأغلب يعرف الجمهور تفاصيلها من البداية إلى النهاية، هل هو اشتهاء لمعايشة حياة أخرى غير واقعهم الأصعب؟ أم من زاوية مرهفة، يسعى المتفرج وراء قصص المشاهير؛ لعلها تصبح مصدر إلهامه؟ أم أن الأمر إجمالًا يعود إلى صانع الفيلم وطريقة طرحه للقصة واختياره للأبطال، وأسلوبه الذي يشتمل بالتأكيد على رؤيته الخاصة لهذه القصة؟ ومن هنا نذهب إلى سؤال جديد: هل فعل ريدلي سكوت هذا؟ هل أضفى شيئًا على القصة، تحقق ما رآه خياله وتحليله الخاص، أم أنه اعتمد على الوقائع فقط؟ وإلا لماذا غضبت عائلة جوتشي وأعلنت عن نيتها لإقامة دعوى قضائية ضد ريدلي سكوت، وقال أفراد منهم، أنهم متضررون من الفيلم وعلى استعداد لاتخاذ أي مبادرة لحماية اسم العائلة وسمعتها من التشويه. ريدلي سكوت هو مخرج هوليوودي بامتياز، أفلامه تتسم بالصنعة والتجارة والجماهيرية، كخطوة مكملة وضرورية في مشروعه الذي يقترب من الـ 60 فيلمًا، قدمها كمخرج ومنتج نشط، تقريبًا لا يلتقط أنفاسه بين فيلم وأخر، بينما تنوعت أفلامه بين الخيال العلمي مثل Alien / كائن فضائي (1979)، والبوليسي مثل Black Rain / مطر أسود (1989)، و American Gangster / رجل عصابة أمريكي(2007)، والتاريخي كما في Duelists / المتبارزان (1977) أو Gladiator / المصارع (2000) أو kingdom of heaven / مملكة السما (2005) وغيرهم. أما هنا مع "بيت جوتشي" فهو يخوض في دراما السيرة الذاتية المشحونة بالصراع والجريمة، ما يجعلنا نعود إلى سؤالنا في البداية عن الأسباب التي تجعل الجمهور يتهافت على مشاهدة هذا الفيلم، فاسمه اللامع وتجربته الحافلة بأفلام متباينة، تعامل معها النقاد بتقييم متأرجح بين الجيد والمتوسط، بينما الجمهور يتواصل معه بتجاوب كبير، كما في هذا الفيلم الذي يتوغل في سيرة مشهور أخر، اسمه أخاذ على المستى الجماهيري، ولو بدأنا من القصة، فإنها تحدد منذ الوهلة الأولى المشاعر تجاه هذا الفيلم تحديدًا، فإما أن تحبه أو تكرهه، لا خيار ثالث، وهذا يخالف إلى حد كبير القول الشهير لريدلي سكوت:"الحياة ليست أسود وأبيض. إنها مليون منطقة رمادية"، فعلى الرغم من أن هذه المناطق الرمادية حاضرة في القصة، لكن المشاعر تجاهها وتجاه العمل ككل واضحة كالأسود والأبيض. القصة التي كتبتها بيكي جونستون، بالاستناد إلى كتاب يحمل الاسم ذاته، من تأليف سارة فوردن، بعنوان" قصة مثيرة عن القتل والجنون والبريق والجشع"، تفرد مساحة نتابع من خلالها التاريخ المظلم لواحدة من العائلات الأشهر في تاريخ الأزياء، إرث كبير جلب الدسائس والمكيدة والقتل، تنقلها الأحداث على مدى ثلاثة عقود، ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي، حينما أغرم ماوريتسيو جوتشي بـ باتريسيا ريجياني، الجامحة في تطلعها لاسم وثروة العائلة الكبير، وقرر الارتباط بها رغم رفض والده، ليصبح هذا الثنائي من الأكثر شهرة في إيطاليا وحول العالم خلال تلك الفترة، ومسار لعبة الشطرنج التي تلعبها باتريسيا مع العائلة، في الثمانينيات، وصولًا إلى منتصف التسعينيات، حيث انتهت القصة باغتيال الزوج، وإدانة الزوجة بتهمة التخطيط لقتله. يُلقي الفيلم أيضًا من خلال قصته أسئلته الخاصة: ماذا يحدث عندما ترتبط العلامة التجارية ارتباطًا وثيقًا باسم العائلة؟ ويخبرنا أن ما يحدث هو الصراع حول من يستحق أن يكون جوتشي، ومن الذي يجب أن يتخذ القرارات التي تؤثر على العائلة وثروتها وسمعتها؟ .. إنه هذا الصراع البديهي، الموجود في هذه النوعية من الأفلام التي تتمحور حول العائلات الكبيرة، ثم ينقلنا سكوت إلى مظاهر البذخ المتوفرة في عائلة هي أساسًا، صانعة الترف والبذخ، فتطالعنا الأزياء والأوشحة والحقائب والأحذية والساعات والاكسسوارت المختلفة، كل هذه العناصر البراقة تُخفي وراءها الجشع واللهاث وراء السلطة والخيانة والانتقام والجريمة، ليس من السهل على المتفرج أن يبقى نفسه على مسافة آمنة من هذه الصراعات، وأﻻ ينخرط في متابعتها أو في الاهتمام بها، لكنه في ذات الوقت يصطدم بهذه الحياة التي يتمناها، حين يكتشف أن ظاهرها الوثير غير باطنها الغليظ. عنصر التمثيل واختيار الممثلين لها تأثير مؤكد يجعل لأي فيلم حضوره الأخاذ، وهو العنصر الذي يمكنه أن يجيب عن جزء من سؤالنا، فاختيار سكوت أن يكون ممثليه هم: نجمة البوب الأمريكية ليدي جاجا في دور باتريسيا، آدم درايفر في دور ماوريتسيو جوتشي، جاريد ليتو مجسدًا شخصية باولو جوتشي، آل باتشينو ليكون العم ألدو جوتشي، وغيرهم مثل سلمى حايك، جاك هوستن، كاميل كوتين، ميدالينا غينيا، ريف كارني، يوسف قرقور. عادة يعتمد الأداء التمثيلي في أفلام السير الشخصية على محورين مهمين: النص السينمائي، والمقاربة الشكلية للشخصية الحقيقية سواء من خلال المكياج أوو الأسلوب الحركي، في هذا الفيلم كان التركيز على الشكل والأداء الخارجي واضحًا بدرجة كبيرة، تبعه الخروج من قلب القصة نفسها، إضافة إلى الاعتماد على أسماء هؤلاء النجوم الكبار كان عاملًا لا يمكن إنكاره في الجذب الجماهيري. العناصر مكتملة تضعنا أمام فيلم توفرت له كل عوامل الجذب الجماهيري، صورة أخاذة على المستوى التقني، خاصة في استخدام سكوت لكاميرات متعددة، بما يثري المشهد البصري، كما حضرت الموسيقى التصويرية بما يلائم النص المكتوب والنص البصري، بخلاف كاريزما النجوم المشاركين وانسجامهم سويًا، ومع ذلك فإنه غير مذهل، صحيح أنه ليس سيئًا، لكن يصعب أن نصفه بالمثالي، فغير أنه طويل أكثر من اللازم (ساعتان و 37 دقيقة) وأنه أهدر وقتًا كثيرًا حتى يصل إلى القصة الجادة حول كيفية تحول هذه العائلة، ما بين الخيانة والندوب، فوتيرته بطيئة بلا ريب، وكان يحتاج تكثيفًا دراميًا خصوصًا في النصف الثاني منه، حيث بدا أنه غير متواصل مع النصف الأول واحتاج إلى إحكام الربط، هذا الإحكام الذي افتقدته النهاية، فجاءت بطريقة متعجلة وغير مناسبة لذروة الحدث، بما يوحي أن سكوت تعامل معها بكثير من عدم المبالاة. على أية حال، فإن بيت جوتشي يبقى فيلمًا مسليًا، مغريًا للفرجة، بصرف النظر عن تصنيفه النوعي في نطاق أفلام السيرة، أو عن أسلوب مخرجه سواء كان مطابقًا للواقع المقتبس عنه أو مبالغًا في وصفه الخيالي.



الاكثر مشاهده

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

;