التنمية المستدامة .. بين الخطاب الدينى القديم والجديد

قد يعتقد البعض أن التنمية المستدامة مصطلح أممى رسمت به هيئة الأمم المتحدة خارطة للتنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم فحسب، لكن الدين الإسلامي منذ 1400 سنة دعا وحث على أهمية التنمية المستدامة في حياة الناس لأنه ببساطة دين عالمى يلائم كل عصر، وصالح لكل وقت ولكل زمان بهدف تحقيق التقدم والازدهار الحضاري المنشود في شتى مجالات الحياة، وإن كانت الأمم المتحدة خصصت 17 عنصراً للتنمية المستدامة، فالإسلام قدم للبشرية منهجا يعمل على التنمية المستدامة ولكن بضوابط معينة حددتها الشريعة. نعم التنمية المستدامة في منظورها الأممى تقوم على 3 عناصر أساسية هي "الاقتصاد والمجتمع والبيئة"، وكلها عناصر مرتبطة ببعضها البعض ويقوم كل منها على الآخر ويكمله، وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية بالعديد من النصوص التي تمثل الركائز الأساسية للتنمية المستدامة بهذا المنظور، بل كان أكثر شمولا، لذا، فإن التنمية المستدامة خطوة مهمة في تجديد الخطاب الديني. بل أن الجميل أن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، فهى تهتم بالجوانب المادية والحياتية جنباً إلى جنب مع النواحي الروحية والقيمية، فلا تقتصر التنمية المستدامة على الأنشطة المرتبطة بالحياة الدنيا وحدها، وإنما تمتد إلى الحياة الآخرة، بشكل يضمن تحقيق التوافق بين الحياتين، وقد نجحت الدول الغربية في تحقيق التنمية المادية إلى حد كبير، لكنها أهملت الشق الروحي والمعنوي فيها، فكـانت النتيجة ما نراه من تفشي الجريمة وتفكك الأسرة والانحلال الخلقي ومختلف الأمراض والاضطرابات النفسية في مجتمعاتها رغم تقدمها، فقد قال تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ". لذا، يجب أن يواكب الخطاب الدينى مستجدات الحداثة وعلى رأس هذه المستجدات التقدم التكنولوجى والصناعى وإحداث عملية التنمية المستدامة لصنع مستقبل أفضل، لأن أهم مقوم في الإسلام لنجاح عملية التنمية المستدامة هو الإيمان والعمل معا، استناداً لقول الله عز وجل: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"..، وقوله جلّ شأنه: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ". غير أن المتتبع يجد اهتماما كبيرا بلدين الإسلامى بتغيير سلوكيات الناس وتحويل الأيدي العاطلة إلى أيدٍ عاملة، وكذلك اهتمامه بالبعد بتعمير الأرض في مختلف المجالات واستغلال كل الإمكانات المادية بما يكفل الحياة الطيبة للإنسان. نهاية.. التنمية المستدامة في المنهج الإسلامي يشمل تنمية الإنسان في ذاته روحاً وفكراً وأخلاقا وقيما، بالإضافة إلى تنمية البيئة الخارجية المحيطة به في مختلف نواحي الحياة، لذا فإن الدين الإسلامي يحث على تنمية الإنسان وبنائه، وعلى إعمار الأرض والحفاظ على ثرواتها، كل ذلك وفق المنهج الرباني الحكيم وضوابط شرعه بما يضمن طيب الحياة في الدارين، وهو ما يجب أن يتجلى في الخطاب الدينى، الذى من شأنه محاربة معوقات التنمية التي تأتى على راسها الجهل وغياب الوعى أو تزييف الوعى بغرس المفاهيم الخاطئة فى عقول الشباب وأبناء الأمة، ولأن الخطاب الديني الجديد المفترض أن يدعو للبحث والتجديد والتطوير وصناعة المستقبل بالعلم والتدريب واكتساب الخبرات والمهارات مستفيدا من الماضى لكن ليس معتمدا على فكرة الماضي الأفضل بل معتمدا على المستقبل هو الأفضل..



الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;