التربية السكانية في ظلال الجمهورية الجديدة

تشير التربية السكانية إلى مجموعة البرامج التعليمية التي تتضمن أنشطتها إكساب الفرد أو الجماعة المعارف والسلوكيات والاتجاهات المرتبطة بتشكيل الوعي نحو تحمل المسئولية المرتبطة بقضية الإعمار البشري من حيث النمو والتوزيع وفق مقتضيات الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وكذلك الصحة الإنجابية؛ بغية اتخاذ قرارات تؤثر في سياسات الدولة السكانية والتربوية لضمان التنمية الشاملة المستدامة التي تحقق جودة الحياة في الحاضر والمستقبل على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، ومن ثم فإن الوعي الصحيح يسهم في تشكيل التصرفات المستقبلية، ويساعد في اتخاذ القرارات التي تؤدي إلى رفع مستوى المعيشة من خلال اختيار حجم الأسرة الذي يتناسب مع الموارد والدخول والمتغيرات الاقتصادية، وينبغي أن تشير البرامج التعليمية إلى دراسة الظاهرة السكانية وكيفية تأثيرها وتأثرها بالمظاهر العديدة في الحياة الطبيعية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والأيكولوجية. وحري بالذكر أن التربية السكانية تشمل في طياتها المشكلة السكانية التي تُشير إلى حالة الخلل في تركيبة السكان من حيث الحجم ومعدلات النمو والعلاقة بين الموارد والاحتياجات وما يقدم من خدمات مجتمعية، ومن ثم تظهر المشكلة السكانية بقوة حينما يصعب توافر متطلبات الحياة من غذاء وكساء ومأوى وتعليم وعمل ودخل ...الخ، للسكان، ومن المؤكد أنه لا توجد قوانين طبيعية أو بيولوجية تتحكم في النظم الاجتماعية؛ لكنها متغيرات تجعل لكل نظام اجتماعي قوانينه السكانية، التي تتناسب مع هدف النظام وتتسق مع طرائق تناوله وتسييره، وهناك مؤشرات يؤخذ بها لتحديد حجم المشكلة السكانية منها مستوى رفاهية الأفراد والخدمات المقدمة إليهم. ويُعد النسق القيمي المصري داعمًا للإطار الفكري الذي يعمل على تشكيل الاتجاهات إزاء قضية ما؛ لذا فإن القضية السكانية تحكمها أطر عميقة لدى الفرد ترتبط بالثقافة التي تمتلكها فئات وأطياف المجتمع والتي قد تكون متقاربة في مجملها؛ ومن هنا اقتضت الضرورة في تنمية الوعي السليم تجاه القضايا السكانية أهمية تقديم البدائل التي تتسق مع القيم والعادات في صورتها الإيجابية بما يؤدي لتعدد الاختيار المسئول للبدائل التي تعد حلًا لمشكلة من المشكلات التي ترتبط بالقضايا السكانية، ما يُحدِث لدى الفرد والجماعة حالة من القناعة والاتزان في التصرفات حيال ما يطرأ من تحديات أو مشكلات تواجه المجتمعات، ومن ثم تتباين الرؤى والمواقف في ضوء المعتقد والمتغيرات التي تتعلق بأبعاد التنمية المستدامة بالبلاد. وفي هذا الإطار الجامع ينبغي أن تتضمن برامج التربية السكانية في جمهوريتنا الجديدة غايات لفهم واستيعاب مفردات الواقع السكاني الحالي من حيث التشكيل والتوزيع والعوامل التي ساهمت في ذلك والتي تُسمى بالقوى الدينامية، وكذلك غايات للتقويم؛ إذ يتعرف الفرد على الواقع ويتنبأ بالمستقبل، وهذا يعد ضرورة للمشاركة الفعلية في الحصول على حلول للمشكلات السكانية المتنوعة، ولا تنفك أهداف هذه البرامج عن تمكين الفرد من اتخاذ القرار المبني على حقائق وفهم للواقع؛ ليحدث الفرد استجابة تشير إلى صورة الوعي التي امتلكها جراء دراسة برامج التربية السكانية بصورة مقصودة. وبصورة إجرائية ينبغي أن تستهدف برامج التربية السكانية تنمية الوعي لدى فئة الشباب فيما يخص المناحي السكانية والمشكلات المتعلقة بها والعوامل التي تؤثر وتتحكم في ظاهرة النمو السكاني، وعلاقة اتجاهات النمو بموارد البيئة وإمكاناتها، كذلك الوعي بالتوازن الأسري أي الارتباط بين حجم الأسرة ومواردها، والبحث عن طرائق التغلب على مشكلة الانفجار السكاني وما يرتبط بذلك من تخطيط علمي قائم على بيانات صحيحة وموثقة. وتتأتى ثمرة برامج التربية السكانية من خلال تنمية الوعي بقضية الانفجار السكاني، ومن ثم يقع على ما تقدمه البرامج من خبرات ضرورة تنمية الاتجاه الإيجابي نحو خفض معدل النمو السكاني، ومعدل الوفيات، بالإضافة إلى الاتجاه نحو خفض الهجرة من الريف إلى المدينة، وكذلك ضرورة تبني سياسة سكانية تتسق مع التصورات الصحيحة للنمو السكاني والتنمية المستدامة، ومن الضروري توعية الفرد بالآثار المترتبة على بعض الممارسات المجتمعية والتي منها الزواج الثاني من أجل مولود ذكر، وزواج الأقارب، والولادة غير المؤهلة، وتكوين الأسر الكبيرة. وثمت ضرورة في أن تتضمن برامج التربية السكانية أهدافًا ومتطلبات التنمية المستدامة للجمهورية الجديدة، وبالأحرى يتم تطبيقها بالمؤسسات التعليمية بمختلف سلمه، وعليه يُعد المنهج السكاني مكملًا للمناهج التعليمية للمؤسسات التربوية، كما يجب أن تنبثق أبعاد برامج التربية السكانية من العوامل الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري باعتباره الفئة المستهدفة؛ حيث إن الغاية الكبرى من هذه البرامج تكمن في تلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع. ويعتمد نجاح التربية السكانية في تحقيق أهدافها على عنصر رئيس يتمثل في المعرفة الصريحة حول الحقائق التي تتعلق بالسكان والأسرة والتكاثر مقرونًا به طرائق تنمية الحقائق والمفاهيم المتصلة بالمعلومات السكانية والديموغرافية الأساسية، والتكاثر البشري وتنظيم الأسرة، وحجم الأسرة ومستوى المعيشة، والسكان والبيئة، والسكان والنواحي البيئية، والسياسات السكانية، والبرامج المرتبطة بها، وتفاقم أثر الظاهرة السكانية على الفرد والجماعة، وهذا دور المؤسسات التربوية وغير التربوية بالمجتمع بأسره. ويقع على عاتق خبراء المناهج مهمة ترتيب الأولويات الخاصة بقضايا التربية السكانية وفق طبيعة وخصائص المرحلة التعليمية؛ لتحدث تشكيلًا للوعي الصحيح في صورته المرتقبة، وبالطبع لا ضير من الإفادة من التجارب السابقة للبلدان صاحبة الريادة في هذا المجال، كما يتوجب على خبراء المناهج اختيار مصادر المعلومات الرئيسة والإثرائية التي تشكل القاعدة المعرفية المتكاملة ليرجع إليها من يرغب في تنمية خبراته حول ما يطرح من قضايا بالتربية السكانية. والمتابع لما تبذله الدولة المصرية من مجهودات تنموية متواصلة يجد أن الحكومة أن تتخذ من السياسات التخطيطية ما تواجه به التحديات والمشكلات السكانية المتواترة؛ حيث التزايد السكاني غير المحسوب الذي يتطلب آليات ووسائل إجرائية في مناشط الحياة المختلفة سواء على مستوى التعليم والصحة والأمن والاقتصاد والإسكان والوظائف، من قبيل الوفاء بالحاجات والتطلعات المجتمعية المستمرة والمتزايدة. وفي ضوء الفكر المستنير للقيادة السياسية الجسورة تم توجيه السياسات الحكومية نحو العمل على إيجاد فرص العمل في ربوع الوطن سواء بالمدن أو القرى للنهوض بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للفرد والمجتمع، والحد من مسار الهجرة الداخلية، بالإضافة لإيجاد مجتمعات جديدة تقوم على الإنتاجية التنموية الصناعية منها والزراعية؛ لتصبح مركز لأسواق عمل تفي باحتياجات الوطن من ناحية وتقلل من البطالة وتستثمر الموارد البشرية من ناحية أخرى. إن استكمال بناء الجمهورية الجديدة يتطلب جهود متواصلة في تشكيل الوعي المجتمعي عبر النظم التربوية التي تعمل على تنمية الوعي السكاني لدى أفراد المجتمع؛ لذا أضحت التوعية متمثلة في التعريف بمظاهر التأثير المباشر والمتبادل بين النمو السكاني والحياة المتنوعة للفرد والأسرة والمجتمع، ومن ثم ينبغي على الدولة اتخاذ مواقف ملتزمة تجاه بعض القضايا السكانية لدى الجماهير، لتحقق الاستراتيجية التنموية المستدامة للبلاد. ورغم اهتمام المؤسسات البحثية بالقضية السكانية؛ إلا إن هناك المزيد يتم تقديمه لمعالجة تداعيات المشكلة السكانية في بلدنا العزيز من خلالها، بما يثمر في دعم مشروعات التربية السكانية بصورة مباشرة، ولا تنفك الجهود البحثية عن نشر الثقافة السكانية من خلال الإعلام الهادف والمتنوع ودور العبادة السمحة بوطننا الغالي وجهود المؤسسات المجتمعية؛ لتحدث التوعية المنشودة لدى المواطنين بالإحساس بالمشكلة السكانية، ومن ثم الشراكة في حلها بصورة إجرائية. إننا في احتياج لأن يتشكل وعي لدى الفرد والمجتمع يسهم في إحداث تغيير في السلوك الذي يرتبط بقضايا التربية السكانية، وهذا ما يعضد الولاء والانتماء للجمهورية الجديدة ويحقق خططها التنموية في شتى المجالات لتصبح غايات التربية السكانية نهجًا يثري الفكر والسلوك مجتمعين. حفظ الله بلادنا، وهيأ لها أمر رشد وخير، ووفق قيادتها السياسية لما فيه كل الخير.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;