تخيل عزيزى القارئ أن العظيم نجيب محفوظ، قد أطال الله فى عمره حتى اليوم، وبدلا من توقعه الاحتفال بعيد ميلاده الـ105 فى 11 ديسمبر، إذا به يجلس خلف القضبان بتهمة خدش الحياء العام، بينما يجلس النائب أبوالمعاطى مصطفى، فى قاعة المحكمة، مبتسما، واضعا ساقا على أخرى، فخورا أمام الكاميرات التليفزيونية بأنه استطاع أن يسجن خادش حياء مصر والمصريين نجيب محفوظ.
دائما ما نلوم على السلفيين تعصبهم وإفتائهم بدون علم، واستخدام قياس خاطئ للمسائل الفقهية ونقدهم للأدب والإبداع على طريقتهم المنغلقة جدا، وبالطبع لن ننسى ما قاله عبدالمنعم الشحات عن نجيب محفوظ، لكن يبدو أن غياب الثقافة والجهل بها ليست سمة سلفية فقط، فها هو النائب البرلمانى أبوالمعاطى مصطفى يسير على الدرب نفسه، ويقول: إن نجيب محفوظ خدش الحياء، ولو كان حيا حتى الآن لوجبت محاكمته.
لا أعرف لماذا يصر غير العارفين على الخوض فى أمور لا يعرفونها، وبالتالى لا يربحون منها سوى الخسارة وإسقاط الورقة الأخيرة، التى كانت تستر جهلهم وهى الصمت، ما الذى يدفع نائبا برلمانيا لا يجيد التفرقة بين الرواية والفيلم على التنظير والنقد والمطالبة بالمحاكمة وتلقى العقاب؟
وما الذى يجعله يصر على قوله رغم التوضيحات الكثيرة التى وصلته، ورغم اعترافه بأنه لم يقرأ لنجيب محفوظ سوى روايتى «الحرافيش» و«الجبل»، هل سمع أحدكم عن رواية لنجيب محفوظ اسمها «الجبل»؟ ربما هذا الخطأ الذى قال به النائب بنسب رواية الجبل المشهورة لفتحى غانم إلى نجيب محفوظ خير دليل على المرجعية الثقافية التى تم الاعتماد عليها.
وكيف لعقلية تفكر بهذه الطريقة تكون فى اللجنة التشريعية للبرلمان، وهى لا تعرف الفرق بين الخيالى والحقيقى، وتحكم دون أدلة، ودون يقين، فقط اكتفى بمعالجة المخرج الراحل حسن الإمام لثلاثية نجيب محفوظ سينمائيا، وخرج منها بأدلة إدانته، ولم ينتبه إلى أنه رجل مسؤول وكل كلمة يقولها سوف يتلقفها الشعب ويفندها ويعرف منها كيف يفكر نوابه فى مشكلاته، وكيف أنهم يندفعون خلف انفعالاتهم أو حبهم للظهور دون تريث أو دراسة كاملة للقضية التى هم بصدد الحديث عنها.
الخسارات الواقعة جراء كلام النائب أبوالمعاطى مصطفى كثيرة ومتتابعة، فالجهل بقدر نجيب محفوظ وقيمته يشعرنا بالإحباط الكبير، ويجعلنا نقول: لو كان محفوظ فى بلد آخر لابتدأ البرلمان فى كل دورة له بسؤال ما الذى نفعله حتى يوجد العشرات من نجب محفوظ فى الأدب والثقافة؟
ستعانى الأجيال القادمة كثيرا لأن القائمين على أمورهم لا يعرفون دورهم جيدا، ويظنون أن الكتابة والفكر والثقافة بمثابة رفاهية مجتمعية، وأن رجالها مجرد أناس عابثين، ولا يدركون أن نجيب محفوظ هو فخر هذه الأمة إلى أبد الآبدين.