ناصر أبوطاحون يكتب : الإخوان و مقتل السفير الروسى

هناك حزمة من الأسئلة التى يجب أن نتوقف أمامها لكى نستطيع أن نضع الحادث الإرهابى الذى أودى بحياة السفير الروسى لدى تركيا فى موقعه الصحيح..
و لعل أهم هذه الأسئلة على الإطلاق هو "لماذا أجهزت قوات الأمن على القاتل رغم انتهاء مهمته و إنتهاء ذخيرته أيضاً؟
و قناعتى الشخصية أن إطلاق النار على القاتل و الإجهاز عليه أخطر بكثير من قتل السفير نفسه"
هذه هو المدخل الطبيعى لمناقشة هذه الواقعة وملابساتها فى محاولة للوصول لمرتكبيها
وقبل أن أجيب لابد أن نذكر بما صاح به القاتل مولود طشاطش عقب افراغ خزينة مسدسه فى ظهر السفير، القاتل صاح بما يتغى به أفراد جماعة الإخوان طوال الوقت سواء فى فعاليات سياسية او فى التحضير لعمليات ارهابية من التى يغرقون فيها منذ عقود
القاتل غنى مطلع النشيد الذى يقول : "
"نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما بقينا أبدا".
قالها بالعربية المكسرة قبل ان يعود لتركيته هاتفاً لسوريا ولحلب التى سرقت تركيا مصانعها و سهلت قتل ابناءها لأمور لم يكن لها أدنى صلة بالإسلام أو بالإنسانية
إذن القاتل أوضح بجلاء عن انتماؤه بهذا النشيد، فهو أحد كوادر حزب العدالة و التنمية الحاكم، ودخل إلى جهاز الشرطة بهذه الصفة الحزبية والدينية، ثم انتمى لأخطر جهاز فى الشرطة وهو جهاز مكافحة الإرهاب
هذا الشرطى القاتل كان موجوداً فى هذا المكان لإنتماءه الحزبى الذى هو ترقية لإنتماءه لجماعة الإخوان فى تركيا
وبالتالى لا يجب فصل حزب العدالة والتنمية عن جريمته القتل على أى نحو، فهذا الحزب و من خلفه الجماعة فى قلب واقعة القتل ، بالإعداد والتخطيط والترتيب والتسهيل والمعاونة وصولاً إلى التنفيذ بمعرفة أحد عناصرها الذى تواجد فى مسرح الجريمة بنفسه وصفته وسلاحه وذخيرته بشكل طبيعى وقانونى
فالقاتل وقف خلف ضحيته بشكل طبيعى ليؤمنه فإذا به يطلق عليه النار ويصرخ بعبارات انتقامية ، و لا يجب أن يمارى أى شخص فى أن الحادث عمل فردى طائش.
فقرار قتل السفير الروسى تم اتخاذه فى أحد المستويات المهمة داخل الحزب الحاكم ، وهو أمر ربما يكشف عن ازدواجية بعض الشىء داخل الحزب فى الرؤى
لا أتهم الرئيس التركى رجب أردوغان بالتورط فى الأمر ، ولكن أستشعر وجود بعض التشكيلات المتطرفة داخل الحزب خططت لتلك الجريمة واستغلت أحد عناصرها للتنفيذ
وعندما نصل للحدث الأبرز وهو التخلص السريع والفورى من القاتل الأعزل بعد تنفيذ مهمته نكتشف أن هناك خيوط كثيرة تمتد لتصل إلى داخل جهاز الشرطة و بالتبعية لقلب الحزب الحاكم
هذه الخيوط كان طبيعيا و منطقيا بالنسبة للمخططين ان يتم قطعها حتى لا يستطيع محقق أن يمد الخيط لأخره ويصل لمن يقفون وراء تلك الجريمة
فالنسبة لأى جهاز شرطى محترف تظل عملية القبض على المجرم والتحقيق معه والحصول على معلومات أفضل مائة مرة من قتله والإجهاز عليه
إذن فقتل القاتل كان محاولة لردم القضية ومنع الوصول لبقية العناصر التى شاركت فى الحادث
لقد أماطت هذه الواقعة اللثام عن تغلغل خطير للأفكار الإرهابية دخل دولاب الدولة التركية بشكل كبير، رغم محاولاتها المستمرة لإظهار الوجه العلمانى للدولة.
فما جرى خلال السنوات الخمس الماضية كان كافياً لظهور أجيال من الإرهابيين داخل تركيا على وقع ما جرى فى المحيط العربى للدولة التركية
فهذا الشاب القاتل نشأ وترعرع على وقع دعايات إعلامية مكثفة – قادتها بلاده -عن الحروب الدينية والمذهبية والطائفية فى المنطقة، ولطالما سمع عن حوادث القتل المزعومة، و الانتهاكات المفبركة التى تملأ الفضائيات
هو ابن المرحلة التى حاولت خلالها تركيا أن تتصدى لقيادة العالم الإسلامى من خلال اشعال الحروب والفتن المذهبية ،هو ايضاً ابن المرحلة التى تحولت فيها تركيا لدولة حاضنة للجماعات المتطرفة والهاربين من بلادهم كبعض المصريين والسوريين والعراقيين ، الذين يحلمون بالعودة لبلادهم كحكام على دبابة تركية او امريكية
هو ابن المرحلة التى تحولت فيها تركيا لدولة ممر أمن لكل الإرهابيين للعبور الى سوريا والقتال فيها والعودة و كأنهم كانوا فى نزهة سياحية
هو ابن المرحلة التى تحولت فيها تركيا لرأس جسر لنقل وتمرير السلاح بكل انواعه للدول العربية
لقد نشأ هذا الشاب القاتل فى وسط بيئة مناسبة تماماً لنمو عقله الإرهابى القاتل ، الذى لم يكن ينقصه سوى تنظيم يقف خلقه ويسهل مهمته ، وهذا ما توافر داخل حزب العدالة التنمية الحاكم فى تركيا
ولعل مسارعة أردوغان لاتهام حركة غريمه عبد الله جولن بالوقوف وراء الجريمة تصب فى هذا الإتجاه، فهو يريد ان يحجم الأثار السلبية للجريمة ، ثم يحاول استثمارها للنيل من خصمه الرئيسى
وتناسى أردوغان أن جهاز الشرطة كان هدفا رئيسيا لحزبه بالتطهير التام من كل من لا ينتمى للعدالة والتنمية وجماعة الإخوان، لقد نجح اردوغان فى تحويل جهاز الشرطة الى مليشيا خاصة بحزبه و جماعته لا يمكن اختراقها ، ولعلنا نتذكر كيف تصدت عناصر الشرطة بأجسادها للإنقلاب الفاشل الذى قام به الجيش فى الصيف الماضى
إذن لا وجود داخل الشرطة التركية سوى لعناصر جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة
إن أى تحقيق مستقل وشفاف سيقود حتما إلى المتورطين داخل حزب التنمية والعدالة وجماعة الإخوان داخل تركيا
لقد قلصت هذه الحادثة بشكل كبير جدا مساحة المناورة أمام تركيا داخل سوريا لتجعلها مجرد تابع لروسيا فى الأزمة السورية، وأطلقت هذه الحادثة يد الروس تماما فى سوريا وسلمت لهم بما يريدون من سياسات للوصول الى حل ينهى المأساة السورية التى تتحمل تركيا الدور الأكبر فيها





الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;