المتفاخرون بهتك العرض!

فى نفسهم غرض، والغرض مرض، ولهذا يحرمهم الله من فلاح النتيجة، فلا تجديد دينى سيحدث، ولا تنوير سيشق طريقه وسط الظلام، ولا خطاب دينى جديد سيظهر لمواجهة خطاب الإخوان وداعش وباقى رفاق فتاوى التطرف. لا ينصر الله سوى مخلص، والمخلص هو أى شيخ أو مفكر أو مثقف غير هؤلاء الذين صمتوا لعقود طويلة عن الحديث فى تجديد الخطاب الدينى ثم انطلقوا كما سيارات الزفة تعلو أبواقهم فى مولد تجديد الخطاب الدينى بعد أن تحول من ضرورة فكرية إلى مطلب رئاسى. والفخ منصوب لمن لا يعرف أن من يتصدى لمعارك تجديد الخطاب الدينى على أساس فكرى لا يصنع أبدًا تلك الضجة المبتذلة، وإذا وصمت الضجة بالابتذال فاعلم أنه لا والد لها سوى معارك الفنانات والحوارى. من حق أى كائن بشرى أن يرفع راية النقد والتحقق فى وجه البخارى ومسلم، وباقى كتب التراث الإسلامى، هذا ما جنته يد المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية على نفسها وعلى التراث الإسلامى، حينما كفت يدها ويد الناس عنه تحت مظلة التقديس، لكنّ فرقًا كبيرًا أن تفعل هذا مثل الكبار أو تفعله وأنت راكب الموجة. نعود مجددا وكأن أحدا لم يتعلم من الماضى القريب إلى المعركة الأشهر بين إسلام بحيرى ومن معه، والأزهر ومن خلفه، مكالمات هاتفية، مناظرات تليفزيونية، تقارير صحفية، العشرات من هذا والمئات من ذاك، ومع ذلك لن تجد إجابة مفيدة إن سألك أحدهم: وماذا استفدنا من العراك الدائر، ما الناتج الفكرى لتلك المعارك ؟.. لا شىء سوى الصراخ، ومزيد من الأوقات الإعلامية الساخنة، والمزيد من الشهرة لأطراف الصراع. فى الماضى كان الكبار إذا اختلفوا ردوا على الفكرة بالفكرة، والطرح بأطروحة أخرى فى كتاب كامل، والبحث ببحث أكبر منه، والنظرية بنظرية أعمق منها، وهكذا كانت تدور دائرة الصراعات الفكرية مثلها مثل الساقية، لا تدور فى الفراغ بل لكى تملأ الأرض خيرًا. الإمام محمد عبده لم يكن بقصته وثورته الدينية بعيدًا عما نعيشه الآن، وقف وحيدًا لمواجهة حالة الجمود الفكرى والدينى التى عاشها الأزهر، وباقى المؤسسات الدينية والاجتماعية، لكنه كان أكثر ذكاءً، فلم يسخر من التراث، ولم ينطق بعبارة مبتذلة مثلما تفعل فاطمة ناعوت أو ميزو أو غيرهم، لم يفاخر الناس بأنه «يهتك عرض التراث» مثلما قال إسلام بحيرى من قبل، بل كان، رحمه الله، يقول: «العيب فى النظرة إلى التراث من خلال منظور تقليدى رجعى لا يتماشى مع العصر»، ودخل فى معارك فكرية متعددة مع كتاب غربيين، مثل رينان وهاناتو، ومع عدد من الشيوخ الرجعيين داخل الأزهر، ورفع فى وجههم شعار «إذا تعارض النص مع العقل أخذنا بما دل عليه العقل»، وأكد ضرورة حماية المسلمين من تسلط الفكر الرجعى، قائلًا: «لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله، وعن رسوله من كلام رسوله دون توسط أحد، لا من سلف ولا من خلف». أما الآن فهم يخوضون المعركة بالصوت العالى، وبما تجود به قواميس اللغة من شتائم وتحقير وسخرية، ومن يفعل ذلك فى معركة مفترض أن يكون مبتغاها وجه الله والوطن فلا تنتظر من نتائجها أن تكون مما ينفع الناس، ويمكث فى الأرض، بل ستكون مثل الزبد يذهب جفاء.



الاكثر مشاهده

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

;