سافر حبيبى وداخـــــــــــــــــــــــــــــــل لى يودعنى
بكى وبل المحارم وأنا قلـــــــت إيه يعنى
والله فـــــــــــــــــــــــراق الحبايب مُرّ يوجعنى
بأداء أقرب للعدودة الصعيدية يحمله صوت وائل الفشنى وتوقيع موسيقى تامر كروان البديعة، قررت المخرجة كاملة أبو ذكرى أن تصحب المشاهد فى رحلة طويلة إلى واحة الغروب.
اعتقد أن الحكم أو التعليق بالسلب أو الإيجاب على عمل درامى يمتد لثلاثين حلقة بعد أربع أو خمس حلقات فقط، تعجل قد يؤدى إلى التقليل من قيمة عمل يستحق الإشادة، أو الإعلاء من قيمة عمل لا يستحق حتى المشاهدة، ولكنى هنا لا أكتب نقدا أو تقييما، بل ترحيبا بعمل ينطبق عليه المثل القائل "الجواب بيبان من عنوانه" فكم من أعمال أدبية تم تشويهها على شاشة السينما أو التليفزيون وفقدت بريقها الأدبى.
التصدى لتحويل الأدب إلى صورة يجعل المخرج فى مواجهة مباشرة مع "قارئ النص الأدبى"، فى مواجهة مباشرة مع إبداع المشاهد الخا ، قدرته على صنع صورة للنص الأدبى من وحى خياله. صورة يصنعها بذاته مسترشدا من وصف ومفردات الأديب معالم طريقه.
وعندما يتحول النص الأدبى إلى عمل فنى -سينمائى أو تليفزيونى - ينازع المخرج "القارئ" على تلك المساحة الخاصة بينه وبين كاتبه المفضل ، ينتزع منه حق تخيل صورة واقعية للنص الأدبى فتقع المقارنة بين خيال القارئ وخيال المخرج وكثير من القراء يميلون إلى تفضيل خيالهم الشخصى ، بالإضافة إلى المقارنة النقدية فى أحيان كثيرة بين الرواية والعمل الفنى المأخوذ عنها.
كل تلك عوامل رادعة للمخرج تحول دون تصديه لمهمة تحويل رواية إلى مسلسل أو فيلم، لكن ضربة البداية كما يقول أهل كرة القدم كانت موفقة من كاملة أبو ذكرى، فن الاختيار الذى أجادته "كاملة" -حتى الأن- بداية من الموسيقار تامر كروان وصوت وائل الفشنى وكلمات تبوح بمعانى أكثر من كلماتها القليلة، حالة الحزن والانكسار وقلة الحيلة التى طالما ستطارد البطل.
وما إن تجاوزت المخرجة ضربة البداية حتى بدأت اللعبة الحلوة تتصدر الشاشة، فقدمت بإتقان خلال الحلقة الأولى تدمير الإسكندرية على يد أسطول بريطانيا العظمى -آنذاك- قُبيل الاحتلال الإنجليزى لمصر، لتعيد إلى الأذهان جزءا منسيا من تاريخ مصر، مازال حتى الأن غير واضح كثير من تفاصيله للبعض. الثورة العرابية.. أحداثها وأثرها فيمن عاصروها، فجعل الكاتب الكبير بهاء طاهر بطل روايته واحدا من هؤلاء الحالمين باستقلال الوطن، والمؤمنين بعرابى والجيش المصرى ليخوض به فترة زمنية قل من يسلط عليها الضوء.
أسمح لى عزيزى القارئ أن انحاز للمرأة قليلا فمخرجة العمل "كاملة أبو ذكرى" والسيناريست "مريم ناعوم وهالة الزغندى" ومديرة التصوير "نانسى عبد الفتاح" كل تلك الأيدى الناعمة أضفت عذوبة ورقة على العمل ظهرت من أول لحظة على الشاشة، وتوجت بأداء ممتع وبسيط للنجمة منة شلبى فى دور كاثرين زوجة "محمود" .
رغم أن المحور الرئيسى للعمل شخصية الضابط محمود التى يجسدها النجم خالد النبوى الذى كعادته تقمص الدور بإتقان، مجسدا انكسار داخلى يؤرقه بعد انكسار عرابى وهزيمته انكسار لن يلتئم بل سيزداد توهجا حتى يلتهمه.
حتى الأن أجادت كاملة أبو ذكرى اختيار عناصر عملها الدرامى ببراعة، وقادت نجومها للتألق. يبقى ظهور الواحة فى الحلقات المقبلة وشخوصها عاملا هاما فى اكتمال العمل ونجاحه، واختيار شخصية "مليكة" التى اعتقد أن بهاء طاهر لم ينصفها فى النص الأدبى وآمل أن تمنحها "كاملة" بعض مما تستحق فى المسلسل.