الأسرة ودورها في حماية الأخلاق

لم يعد يخفى على أحد التراجع الأخلاقي الكبير الذي ضرب المجتمعات الإسلامية خلال السنوات الأخيرة في كثير من سلوكيات الناس ، وذلك بسبب عوامل كثيرة تسببت بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا التراجع الملحوظ ، ومن أهم هذه العوامل من وجهة نظري انشغال الأسرة عن الدور المنوط بها في تربية أولادها وبناتها ومتابعة أحوالهم نتيجة ضغوط الحياة والسعي لتحسين الدخل لتوفير الحد الأدنى من متطلبات أفراد الأسرة المالية، ففي زماننا نادرًا ما تجتمع الأسرة بجميع أفرادها معًا على مائدة طعام أو شاشة تلفاز لمشاهدة شيء هادف ولو مرة واحدة في اليوم ، ناهيك باجتماع الأسرة ولو مرة واحدة في الأسبوع في جلسة حوارية أسرية يناقشون فيها ما يحتاج إلى نقاش ، ويطمئن أولياء الأمور على أحوال أبنائهم الدراسية والعملية ، ويقفون على المشكلات التي يتعرضون لها في حياتهم ويتشاورون في حلها ، مع حرص الآباء والأمهات على غرس القيم النبيلة والأخلاق الكريمة في نفوس أبنائهم . لقد كانت تلك حال الأسر في الأجيال السابقة ، أما الآن فكثير من أبناء هذا الجيل لم يشهد مثل هذه الجلسات ، وربما لم يسمع عنها شيئًا ؛ فأفراد الأسرة في المدينة يتواصلون فيما بينهم من خلال التليفونات، وربما فعلوا ذلك وهم في غرف بيوتهم ، ولم يعد يختلف حال الريف كثيرًا عن حال المدينة؛ حيث تجد رب الأسرة في الريف - وربما تكون معه الأم أيضًا - يكدح في قراريط لتوفير لقمة العيش لأبنائه، وهو ما يشغله عن متابعة أولاده طوال اليوم، وتكاد تنحصر معرفة الأب بمشكلات أولاده في المدن والقرى على السواء من خلال ما تعرضه الأم عليه في حجرتهما الخاصة وهو يغالب النوم بعد يوم شاق، وربما يغلبه النوم قبل أن تكمل الأم عرض المشكلة، وقد تكون هي نفسها تعاني مما يعاني هو منه لكونها من العاملات، وقد تكون معاناتها بسبب خدمة أولادها والقيام على شئون بيتها طوال اليوم، فإن لم ينم الأب في أثناء كلام زوجته فربما نهرها لتتوقف عما يعتبره ثرثرة مكتفيًا بمطالبتها بالتصرف، وربما أسمعها بعض عبارات التوبيخ واللوم لسوء تربيتها لصاحب المشكلة من أبنائه! ومع الأهمية البالغة للعمل من أجل الحصول على المال الذي به تنتظم حياة الأسرة، إلا أنه يغيب عن كثير من أرباب الأسر أن الرعاية التربوية والتوجيهية والرقابية لأبنائهم وبناتهم أهم بكثير من الأموال؛ فقلة المال مع تربية الأولاد تربية سليمة على الفضيلة والقناعة والرضا لا يؤثر على حياة الأسرة ومسيرتها، وكثرة المال مع غياب الدور التربوي والتوجيهي والرقابي لولي الأمر يفسد الأبناء ويفقدهم تحمل المسئولية. ولعل من أخطر الجوانب الحياتية تضررًا جراء تراجع دور الأسرة في تربية الأبناء هو الجانب الأخلاقي؛ فللأسف الشديد بات بعض الشباب من الجنسين لا يخزون من سلوكهم المنحرف، وقد يباهون به ويفخرون بين رفاقهم على الرغم من أنه لا مجال فيه للفخر ولا التباهي، والأدهى أن خرج علينا مَن يجاهر بأن الانحراف الأخلاقي هذا يدخل في إطار الحرية الشخصية، بل أصبح الشذوذ الجنسي نوعًا من الثقافة والحقوق المطلوب من المجتمع قبولها واحترام أصحابها بعد أن ظلت طوال عهود البشرية شيئًا مقززًا تنفر منه النفوس السوية وإن لم تكن متدينة، بل إنه الفحش والرذيلة والابتذال والانحطاط وانتكاسة الفطرة في أبهى صورها. ولا عجب في نفور النفوس الإنسانية السوية منه ولا غرابة؛ فحتى الحيوانات لا تنتهجه سلوكًا بين أفرادها، ولا أظن أن أحدًا سمع عن معاشرة جنسية بين مثليين في عالم الحيوان! وفوق مخالفة هذا السلوك الأخلاقي المشين لتعاليم جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والأعراف الإنسانية والعادات والتقاليد المجتمعية، وأضراره الصحية والنفسية والاجتماعية، فإن ثمة خطورة أخرى تكمن في إخلال هذا السلوك المنحرف بالمقصود من وجود نوعين للبشر؛ حيث لكل من الذكر والأنثى خصائصه الجسمانية التي هيأها الخالق عز وجل للوظيفة المنوطة بكل منهما، فقد خُلق الذكر ليكون أبًا وراعيًا لأسرته ويعمل ويكدح ويدافع عن وطنه ويحمي أمنه، وخُلقت المرأة لتكون أمًّا ومصدرًا للحنان والعطف وتخفيف الضغوط النفسية والحياتية عن زوجها وأولادها والمحيطين بها. وهذا الشذوذ الذي ينتهجه بعض الشباب سلوكًا يفسد هذا كله، فكيف لهؤلاء الشواذ إنجاب أولاد وتكوين أسرة وقد ارتبط شاب بشاب مثله أو فتاة بفتاة مثلها؟! وكيف يُتوقع من شاب ارتبط بشاب مثله وأطلقا العنان لشهواتهما بهذه الطريقة المقززة أن يتحمل مسئولية الدفاع عن الوطن وحدوده التي لا يتحملها إلا الرجال، فضلًا عن إقدامه لنيل الشهادة دفاعًا عن رفاقه ومَن خلفه من بني وطنه؟! وكيف لهؤلاء الشواذ أن يقووا على مكابدة أعباء الأعمال الشاقة التي من دونها لا ترتقي الأوطان ولا تتقدم الأمم؟! وإذا افترضنا جدلًا أن شابًّا من هؤلاء الشواذ كتم شذوذه هذا وأخفاه عن أهله وأقاربه ووافقهم مضطرًّا على الزواج بشكله الطبيعي، فكيف له أن يقيم علاقة طبيعية مع زوجته؟! وكيف له أن يكون رب أسرة مسئولًا عن رعاية أسرته وغرس الأخلاق السوية والقيم الفاضلة في نفوس أولاده إن أنجب؟! فلا شك أن فاقد الشيء لا يعطيه. ومن ثم، فقد باتت الحاجة ملحة لاستعادة الأسرة دورها في تربية أولادها، ومراقبة تصرفاتهم بلطف وتوجيههم لتدارك أخطاء ممارساتهم في إطار النصح والإرشاد، وحمايتهم من أنفسهم ومن أصدقاء السوء، وغرس الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة المستمدة من ثقافتنا النقية وشرعنا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا المجتمعية المنضبطة في نفوسهم، ومن الضروري كذلك استعادة جلسات الحوار التي تناقش فيها الأسرة أحوالها وتعالج مشكلاتها، وتتدارس فيها سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وتستخلص منها الدروس والعِبر، وعلى أولياء الأمور حث أبنائهم على الطهارة والفضيلة واصطحابهم إلى بيوت الله ولا سيما في صلوات الجُمع والأعياد. حمى الله أولادنا وبناتنا عدة المستقبل وحملة رايته وبناة نهضته .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;